الجمعة، ١٩ أكتوبر ٢٠٠٧

أمثال عربية


و أمثالُ العرب كثيرة إلى الغاية ، و من أمثال العرب أقْتَبَسَتْ إسبانية و بقيةُ أوربة عدداً من الأمثال غيرَ قليل ، و من يُدَقِّق في حكمة سانْكُو بانْساَ يَرَ قِسْمَها الكبيرَ ، الذي لا يَنْضِب مَعِينُه من أصل إسلاميّ.
و إنني ، تنويراً للقارئ ، أنقلُ بَعضها من كتاب مسيو بياس :

" العيشُ تحت جَنَاح الذُّبابَة خير من النوم في الجَبَّانَة "*.

" اسْتَفِدْ من شَبابِكَ فالعمرُ قصير "*.

" انْسَ هُمُومَك في ليلتك ما دمتَ جاهلاً ما في غَدِك "*.

" عاشِرْ حَدَّاداً تُضَرَّخ بالسِّناج (1) ، وعاشِرْ عَطَّاراً تَنَل شَذَا الأزهار "*.

" خشبةٌ تُلْهِب المَحَبَّة "*.

" مَنْ يتزوج امراةً من أجْلِ جمالها يُخْدَع ، و مَنْ يَتَزَوَّجها من أجْلِ مالها يَطْمَعْ ، و منْ يَخْتَرْها من أجْلِ رشادها يُمْتَع "*.

" إذا ما أحبكم النساء فَتَحْنَ لكم الأسدادَ ، و إذا ما كَرِهْنَكم أقَمن أمامكم سوراً من خيط العنكبوتِ كأنه من صُنْع حَدَّاد "*.

" راحةُ بال مع فَقْر خيرٌ من هَمّ مع يُسْر "*.

" لا تَدْخُل الذُّبابة فماً يستطيع السكوت "*.

" التدبيرُ نصفُ المعيشة ، و قد يكون به كلُّ المعيشة "*.

" لا تَلِدُ الفَأْرَةُ إلا فأرة "*.

" الشجرةُ التي تُخْرِج الوردَ تُخْرِج الشّوك "*.

" شاوِر من يُبْكِيكَ لا من يُضْحِكك "*.

" في الصّلاح سِرُّ النجاح "*.

" ثلاثةٌ خيرٌ من ثلاثين : الجمالُ و التقوى و كتمانُ الهَوَى "*.

" مَنْهُومان (2) لا يَشْبَعان : طالبُ علم و طالب مال "*.

---------------------------------------
(1) السناج : أثر دخان السراج في الحائط.
(2) المنهوم : ذو النهم ، من نهم في الأكل : شره و حرص و أفرط فيه.

من كتاب :
حضارة العرب - غوستاف لوبون ، ترجمة عادل زعيتر - مهرجان القراءة للجميع ، مكتبة الأسرة 2000 ، صفحة 451

الجمعة، ١٢ أكتوبر ٢٠٠٧

عيد سعيد


كل عيد و إنتم طيبين

السبت، ٢٢ سبتمبر ٢٠٠٧

حرب العاشر من رمضان


كل ما رآه أمام عينيه ( الرئيس السادات ) أثناء وجوده في مركز القيادة رقم " 10 " و بعد خروجه منه - تجربة أسطورية - و كان يمكن رد ما بدا أسطورياً إلى أسباب عقلانية و علمية :

*** أولها - أنه كان هناك وطن و أمة وقعا معاً تحت ضغوط هائلة وصلت إلى تفجير النواة الداخلية الصلبة لمعدن الوطن و الأمة ، و بالتالي فإن طاقة يصعب تصورها أفلتت من عقالها و اندفعت شحناتها - كما يحدث في أي تفجير نووي - تهاجم ذرات آخرى و تكسرها و تطلق شحناتها ، ثم تصل قوة الفعل المضاعف ، و ردود الفعل المتصلة - إلى خلق قوة جبارة لم يكن أحد يتخيل وجودها في نواة ذرة.

*** و ثانيها - أن التجارب المريرة السابقة - و على قمتها تجربة سنة 1967 - علمت كثيرين و بالذات في القوات المسلحة المصرية أن العِلم ، و التخطيط على أساسه ، هما وسيلة العصر لتحقيق أي هدف. و هكذا فإن عملية إعادة البناء التي بدأت مباشرة غداة نكسة 1967 - استطاعت أن تخلق حقائق جديدة من مقدرة الفكر و التحضير و الفعل ، و بالتالي امتلكت القوات المسلحة كفاءة تمكنت بها من إحداث نقلة نوعية في أساليب أدائها بالسلاح أمام عدوها.

*** و ثالثها - أن الكم الإنساني ( جيش المليون ) - استطاع أن يوفر لنفسه حجماً من الكيف ( كان في جيش المليون قرابة مائة ألف من حملة الشهادات المتوسطة و العليا ) له وزن أضيف إلى إرادة و مقدرة الفعل ، و كانت نتيجة تلاحم العنصرين معاً : عنصر الكم ، و عنصر الكيف - تحقيق ما يمكن وصفه بأنه معجزة.
و لقد أثارت هذه المعجزة على سبيل المثال اهتمام و فضول الكثيرين ، بينهم لجنة القوات المسلحة في الكونجرس الأمريكي ، و قد قصدت مصر و العمليات لم تتوقف بعد رغم نصائح لها من واشنطن بالانتظار - و كانت لهفة أعضائها أنهم يريدون التقصي عن أسباب مالم يتوقعه أحد!
و حين جاءوا و رأوا و عادوا ليكتبوا تقريرهم كانت آراؤهم :

أ - أن اقتحام خط " بارليف " سنة 1973 عمل عسكري لا يقل في أهميته عن سقوط خط " ماجينو " الفرنسي سنة 1940 .
ب - أن هناك نقلة بشرية كبيرة في نوعية المقاتلين العرب تختلف بها هذه الحرب عن أي حرب آخرى خاضوها من قبل.
جـ - أن التخطيط المصري للمعارك كان على كفاءة عالية ، و قد تمكن من تجاوز أسباب التفوق الإسرائيلي التقليدية. و كانت لإسرائيل ثلاثة عناصر من التفوق :

* تفوق في الطيران: و قد ألغته مصر باستعمال الصواريخ الصغيرة المضادة للطائرات من طراز سام ( للإرتفاعات العالية ) - و من طراز ستريللا ( للإرتفاعات المنخفضة ).
* تفوق في المدرعات : و قد ألغته مصر بالتوسع في الصواريخ أيضاً من طراز مولوتكا.
* تفوق في نظام التعبئة العامة : و قد ألغته مصر بعنصر المفاجأة من ناحية ، و بالتخطيط للحرب على جبهتين في وقت واحد : الجبهة المصرية ، و الجبهة السورية - من ناحية آخرى.

د - أن مصر لم تكن تملك بصفة عامة أسلحة جديدة متقدمة تم استعمالها مفاجأة ، لكنها في هذه النقطة استطاعت أن تجد وسيلة مبتكرة ، و تلك أنها استعاضت عن تقدم السلاح ، بسياسة التوسع في نشره. و قد ذكر تقرير اللجنة أن الجبهة المصرية شهدت انتشاراً للأسلحة وصفته اللجنة بأنه astounding ( أي مذهل ) - أي أن الكميات التي استعملت منه كانت غير مسبوقة ، فأمام هجمات الطائرات كانت هناك آلاف مؤلفة من صواريخ ستريللا ، و أمام زحف المدرعات كانت هناك آلاف مؤلفة من صواريخ مولونكا.
وقد لاحظت لجنة الكونجرس أن التوسع المذهل في نشر الصواريخ على الجبهة المصرية لم يكن مكلفاً فوق الطاقة ، و ضربت اللجنة لذلك مثلاً خلاصته أن الصاروخ السوفيتي المضاد للدبابات كان ثمنه 1000 دولار ، في حين أن الصاروخ الأمريكي الذي يؤدي نفس مهمته كان ثمنه 100000 دولار.

هـ - ومع ذلك فقد كان لدى القوات المصرية نوع من الكيف لاشك فيه ، و من نماذجه ما اشارت إله لجنة الكونجرس من أن الصاروخ من طراز " سام 6 " لم يقدم لفيتنام ، و لكنه قدم لمصر. و أن الدبابات من طراز " ت 62 " لم تكن دخلت إلى الخدمة في قوات حلف وارسو - و مع ذلك كانت عاملة مع السلاح المصري سنة 1973 .

*** و رابعها - أن اسرائيل - لأول مرة في حياتها - فوجئت بعمل عربي أخذ في يده زمام المبادأة ، وكان أكبر عون له هو الغرور الاسرائيلي الذي تزايد بعد سنة 1967 ، و وصل إلى درجة قاتلة حين أصبح التفكير و التخطيط الاسرائيلي قائمين على أسس جامدة رغم الشواهد - فقد ظلوا إلى آخر لحظة متجمدين عند قناعة " أن العرب لا يملكون خياراً عسكرياً قط " .

*** و خامسها - أن القوات المصرية كانت لأول مرة في عملية تستهدف تحرير أرضها ، و قد طالت معرفتها و ألفتها مع الخطة خدمة و تدريباً ومناورة على عملية التحرير التي أخذت هذا الاسم الرمزي أثناء المناورات فعلاً ، فأصبح هناك مشروع " تحرير 1 " و " تحرير 2 " و " تحرير 3 " و هكذا ..

و حين جاءت اللحظة لعملية التحرير الفعلية فإن القوات لم تتقدم فقط لتحرير الأرض - و إنما تقدمت إلى عملية عاشتها و تآلفت معها طوال تجارب طويلة ، و هكذا فإنه حين جاءت تجربة الحقيقة ، فإن الشباب و الرجال قاموا بها و كأنهم يقومون بعملية تدريب آخرى ( على حد تعبير الفريق " أحمد اسماعيل " ).

*** و سادسها - أن التفجير الذري الذي جرى في أعماق الشعب المصري و أطلق شحناته الهائلة ، كان له مثيله فيما حدث لشعوب عربية آخرى. و قد كان هناك ما جعل الملك " فيصل " على سبيل المثال يلوح مبكراً بإمكانية استخدام البترول. بل و قد كان هناك شئ قريب الشبة بذلك في موقف الإتحاد السوفيتي نفسه في تلك الفترة. ذلك إن كثرة الإلحاح عليه دفعته على نحو ما إلى أن يستجيب و لو بالكم ، مما أحدث فارقاً هائلاً في تركيز و كثافة النيران.

و على سبيل المثال فإن قرار مصر بالحرب سنة 1973 - كان يقضي باستعمال كل " الوسائل المتاحة لدى الجيش المصري في عمل عسكري لعبور القناة " ، و كان هذا هو نفس التعبير الذي استعمله في ربيع سنة 1971 حينما كان الفريق " محمد فوزي " وزيراً للحربية و قائداً عاماً للقوات المسلحة - لكن الفارق بين حجم السلاح في ربيع سنة 1971 و حجمه في خريف سنة 1973 - كان بنسبة الضعف تقريباً في حجم النيران.

معنى ذلك أنه كان هناك عوامل موضوعية يمكن لها أن تفسر المعجزة ، لكن الإحساس بالمعجزة نفسها - بعيداً عن اسبابها - كان هو العنصر الطاغي على المشاعر في تلك الليلة الحاسمة - ليلة 6 - 7 أكتوبر 1973 .

*** و سابعها - أن الرأي العام العالمي ضاق ذرعاً بالعناد الاسرائيلي المُصمم على عدم الانسحاب من الأراضي المحتلة اعتماداً على أن العرب لن يحاربوا ، و ذلك خلق جواً مواتياً لتقبل العمل العربي حينما حان آوانه !

من كتاب : أكتوبر 73 السلاح و السياسة - محمد حسنين هيكل - مركز الأهرام للترجمة و النشر ، الطبعة الأولى 1993 ، صفحة 353

الجمعة، ٢١ سبتمبر ٢٠٠٧

المرأة البربرية


و يقتصر البربريُّ على زوجة واحدة ، و لا تتمتع المرأة البربرية بأكثرَ مما تتمتع به الأوروبيات من الحقوق ، و إن كانت في وِصايةٍ أقلَّ مما هُنَّ فيه.

و المرأةُ البربرية على جانبِ كبير من الحَمِيَّة ، و هي تحارب بجانب زوجها أحياناً ، و خَلدَ أُومِيرُس ذكرَها حين تَغَنى بخَبر تلك المَلِكة و النسوةِ المُتَرَجِّلات اللائي فَتَحْنَ بلاد لوبية و بعضَ آسيا الصغرى.

و من النساء البربريات من جَلَسْنَ على عرش المُلْك ، و يدلَ هذا الأمر ، الذي يَنْفِر منه العرب كثيراً ، على تباينهما في النظر إلى بعض الشئون.

و لَقِي العرب الأَمَرِّيْن في دور فتوحهم ، و ذلك من مقاومة المَلِكة البربرية الكاهنة التي أَلَّفَت بين كثير من قبائل البربر و تَسَلَّمَت القيادة و قاتلت العربَ و كُتِب لها النصر في المعركة الأولى و هَزَمَت العرب و استولت على جميع شمال إفريقية ، و لَمَّا عاود العرب الكَرَّةَ بجيش عَرَمْرَم عزمت الكاهنة على تخريب البلاد لمنعهم من فتحها ثانيةً ، فهَدَمَت جميع القُرَى التي كانت بين طرابلس الغرب و طنجة ، و كاد مصير شعب هذه السيدة ، التي ألقت الرُّعْب في قلوب العرب و الروم ، يكون غيرَ ما حدث لو لم تُقْتَل في إحدى المعارك.

من كتاب : حضارة العرب - غوستاف لوبون ، ترجمة عادل زعيتر - مهرجان القراءة للجميع ، مكتبة الأسرة 2000 ، صفحة 248

الاثنين، ١٧ سبتمبر ٢٠٠٧

قلعة شاه جهان


قصر المغول في دلهي ، أو قلعة شاهجهان*. - تمَّ بناء هذا القصر ، الذي أنشأه شاهجهان ، في سنة ( 1058 هـ - 1648 م ) و هذا القصرُ هو أجمل القصور الإسلامية التي أقيمت في بلاد الهند و فارس ، و ما في رِداهه من الفُسَيْفِساء يَجعْلُها قِطَعاً من الحُلِيِّ.

و لم يَنَل هذا القصر الشهير ( الذي هو من أعجب ما شاده البشر ، و الذي ضَنَّ به البرابرة الذين دَوَّخوا دلهي غيرَ مرة و نهبوها فلم يُخَرِّبوه ) من الإِنكليز ما يستحقُّ من العناية ، فقد هدموا جميعَ أجزائه التي رَأَوْا أنهم لا ينتفعون بها و أقاموا في مكانها و من أنقاضها ثُكَناً ، و لم يحترموا سوى الرِّدَاه التي رأوْا فيها بعضَ النفع لهم ، و ذلك مع علمنا أن الإِنكليز ، الذي حَسَبُوا مُقَدَّماً نفقةَ تنظيف تلك الرِّداه من فُسَيفِسائها و زخارفها الجميلة عند تحويلها إلى اسطبلات و مراقدَ للجنود ، لم يَرَوْا للخلاص من تلك النفقة ما هو أسهل من تكليسها ، فسَخِط العالَم على هذا العمل الهمجيِّ الذي تَحْمَرُّ منه وجوه وحوش البرابرة خجلاً فاضْطُرَّ الإنكليز إلى كَشْط ما جَنَتْ أيديهم من عمل حقير ، و ما أبقاه الإنكليز من ذلك القصر يكفي ، مع ذلك ، لبيان ما كانت عليه حالُه قبل أن تُصِيبَه يدُهم الهَدَّامة و يمكن القارئ أن يتمثله بسهولةٍ عند نظره إلى الصورة التي نشرناها في هذا الكتاب ( حضارة العرب ) عن إحدى رِداهه.

قال مسيو روسله : " إن أبَّهة داخل هذا لقصر مما لم تسمعه أذن ، فقد زُيِّنَتْ أساطينه و حناياه و أُطُرُقُبتَّه بالنقوش العربية العجيبة التي رُسَمِت بالحجارة الكريمة المرصعة في الرُّخام ، و تَهَب الشمْس وقتما تُلْقي أشعتها على فُسيْفِساء ذلك القصر من خلال حناياه ، الحياةَ لطاقاتِ زهوره المصنوعة من اللازَوَرد و العقيق و اليَصْب و ما لا يُحْصَى من أنواع الحجارة الثمينة ".
-----------------------------------
* شاهجهان كلمة مكونة من شاه + جهان ؛ شاه يعني ملك و جهان تعني العالم أو الدنيا. و لذلك فإن معنى الكلمة هو ملك الدنيا أو ملك العالم.

من كتاب : حضارة العرب - غوستاف لوبون ، ترجمة عادل زعيتر - مهرجان القراءة للجميع ، مكتبة الأسرة 2000 ، صفحة 200

الأحد، ١٦ سبتمبر ٢٠٠٧

القاهرة


مصرُ هي البلاد الوحيدة التي ترَى فيها المباني العربيةُ القائمة منذ الدَّوْر الإسلامي الأول ، و التي يمكن الباحث أن يَدْرُس فيها تحوُّل فَنِّ العمارة العربيِّ في مختلف الأدوار.

و إذْ كان جميع تلك المباني العربية القديمة القائمة هو من المساجد على وجه التقريب ، كان أهَمُّها في القاهرة ، كان من السهل درسُها.

و ظَلَّت مدينة القاهرة ، و إن شئت فقل أقسامها البعيدة عن الأوروبيين على الأقل ، عربية تماماً ، و لنا بحالها الحاضرة ، فكرةٌ عما كانت عليه في عصر الخلفاء.

و الناظر إلى القاهرة من بعيدٍ يراها ذاتَ طابع شرقيّ يستوقف النظر ، أي يراها ذاتَ طابعٍ لا يُشَاهَدُ مثلُه في أيةِ مدينة آخرى على ما يحتمل ، فهي مؤلفةٌ من بيوت بيض ذواتِ سقوف مستوية يُشْرِف عليها مئاتٌ المآذن الهِيفِ منفصلةٌ عن النخل ارتفاعاً ، و تسحر القاهرة من ينظر إليها من أعلى القلعة ، و لا أعلم مدينةً تَسْحَر القلوب بمنظرها كالقاهرة.

و شوارعُ القاهرة ضيقةٌ مُتَلَوِّيَةٌ غير منتظمة كشوارع كلِّ مدينة شرقية ، و تكاد أطنافُ نوافذِ البيوت في أحياء مصر القديمة ، على الخصوص ، تَتَمَاسُّ ، و الحكمةُ من ضيق تلك الشوارع هي الاستكثار من الظلِّ و استبقاء الرطوبة ، و من يَقْطَع شوارعَ القاهرة و ميادينها الكبيرة التي أنشئت على النمَّط الأوربيِّ تحت وَهَج الشمس يَعْلَمْ سِرَّ تفضيل الناس ، في مثل ذلك الجوِّ ، للشوارع الضيقة المملوءة على الشوارع الواسعة التي تُلْهبها نارُ الشمس على الدوام.

و يستوقف تَزَاحُمُ الأقدام في شوارع القاهرة نظرَ السياح في كلِّ حين ، و يُغْري منظرُها النفوسَ مع زيارة دمشق ، فقد قضينا ساعاتِ كثيرة في تَأَمُّلها.

قال الدكتور إيزانبر : " يُرَى ، في الجمهور الأنْمر ( فيه الأبيض و فيه الأسود ) المتزاحم ، الفلاحُ المتواضع ، و البدويُّ المتبختر ، و القبطيُّ أو اليهوديُّ العبوس ، و اليونانيُّ النشيط اليَقِظ ، و القَوَّاس الألباني الثقيل المُتَزَيِّدُ ، و أصنافُ الزنوج الذين تَتَرَجَّح ألوانهم بين الأبنوسيِّ الخاصِّ بالسُّودانيِّ و اللَّمَعان الخاصِّ بالبربريِّ ، و يتألف منظرٌ لا يَمَلُّ منه الأجنبيُّ من القوافل الآتية من نواحي إفريقية و جزيرة العرب ، و من الجمال الوَئيدَة المَشْي المُتَّزِنَة الخُطا ، ومن الحمير السريعة الخَطْو التي يَرْكَبها صِغارُ السادة من الشرقيين أو النساء المُتَحَجِّباتُ بأزُرٍ قاتمة ، و من الباشوات الذين يَمْتَطُون بملابسهم الرسمية صَهْوَة الخيل ، و من السَّقَائين الذين يَحْمِلُون أسْقِيَةً جِلْدِيَّة لَزِجة ، ومن أنواع الحمَّالين ، و من السُّوَّاس الصَّخَّابين الذين يَضرِبون العربيَّ البليدَ بسياطهم ، و من الفَلاَّحات البائسات المُتَبَاطِات ".

أنْشِئَتْ مدينة القاهرة سنة ( 359 هـ - 970 م )، و هي تَضمُّ مدينةَ الفسْطاط القديمة التي أقامها عمرو بن العاص فقامت مقامها ، و عادت مدينةُ الفُسْطَاط لا تكون اليومَ إلا ضاحيةً لتلك المدينة تُعْرَف الآن باسم مصرَ القديمةِ ، و إن كانت مدينة عمرة بن العاص هذه لم تَحْمل سابقاً هذا الاسمَ غيرَ المطابق للأصل.

و تَمَّ إنشاء القاهرة بعد أن وُضِع حجرُها الأول بثلاث سنين ، و أنفق الفاطميون جزءاً كبيراً من دَخْلهم الواسع على تجميلها و زخرفتها ، و لم يَأْل كلُّ عاهلٍ جُهْداً في أن يَسْبِقَ سلفَه في ذلك ، ثم سار المماليك الذين حَلّوا محل الخلفاء العرب على غرَار هؤلاء في تزيين القاهرة ، و لم ينقطع أمر عُمْرَانها إلا بعد أن أصبحت ولايةٍ تركية ، فقد أهملها الترك فضلاً عن عدم زخرفتها لها ، و اليوم تَتَدَرَّج مبانيها المهمة إلى الخراب ، و صار يُخْشَى زوالها في المستقبل لعدم إصلاحها ، و قد قال لي أحدُ عِيَلة القوم في مصر : إني أصبت في زيارتي لتلك المباني ، فقد لا يبقي منها شئٌ يستحقُّ المشاهدة بعد سنين قليلة.

من كتاب : حضارة العرب - غوستاف لوبون ، ترجمة عادل زعيتر - مهرجان القراءة للجميع ، مكتبة الأسرة 2000 ، صفحة 225

الخميس، ١٣ سبتمبر ٢٠٠٧

الأربعاء، ١٢ سبتمبر ٢٠٠٧

من أجل الحرية


و أن يُقال في هذا السياق على سبيل المثال ، أن الشعب الجزائري قد استخدم - في الصراع الذي خاضه ضد فرنسا لمدة ثماني سنوات من أجل التحرير - الحرب كامتداد للمصالح السياسية لهو قول ينطوي في الواقع على مغالطة كبيرة ، فذلك يشكل خلطاً بين السياسة و الهوية المستقلة للأمة ، بل و وجودها ذاته. إن حجم الأداة أو الوسيلة في مثل هذه الحالة يتضخم حتى يتساوى مع الغاية التي تخدمها ، و بالتالي تفقد معناها و الصحيح الذي ينبغي أن يقال هو أن الدولة الفرنسية - و قد ضمنت أن البحر المتوسط يكفل لها الأمان - هي التي قاتلت فيما بين 1954 و 1962 من أجل أغراض سياسية قد تتمثل في استمرار فرض الهيمنة ، أو حماية المستعمرات الأوروبية أو الوصول إلى بترول منطقة الصحراء ، أو الحفاظ على مكانتها كدولة عظمى ( وكانت مثل تلك المكانة ما زالت مرتبطة بشكل وثيق بامتلاك المستعمرات ) أما الشعب الجزائري " فلم يكن " يحارب من أجل مصالحه ، بل لم تكن له حتى حكومة قادرة على مجرد تحديد تلك المصالح. و لو كانت هناك مصالح ، بمعنى ما يعود بالنفع على الجزائريين كأفراد ، هي مربط الفرس لآثر معظمهم و عمل خيراً أن يمكث في داره ليرعى شئونه الخاصة ، و لو كانت جبهة التحرير قد حفزت الشعب على القتال من أجل نوع من " السياسة " لما حصلت حتى على نسبة من المساندة التي حظيت بها رغم كل ما كانت تفعله فرنسا و ما كان يمكن أن تفعله.

ولسنا هنا بصدد الحديث عن علم دلالات الألفاظ ، و لكننا نقول أن استخدام اللغة الاستراتيجية و التفكير في " أهداف سياسية " ، كما لو كانت شيئاً ينطبق على الفرنسيين و الجزائريين على حد سواء ، هو بمثابة خلط للأمور بلا مبرر ، بل يطمس المعاني الحقيقية للنصر و الهزيمة.
ومن منطلق أن الحكومة الفرنسية كانت تقاتل من أجل ما كانت تعتبره مصالحها السياسية ، فقد كانت الحرب بالنسبة لها مسألة حسابية قدرت فيها النفقات و الأرباح ، بغض النظر عن مدى دقتها و مدى صوابها ، ثم " عينت " القوات التي ستشترك فيها ثم " استخدمتها " لقمع " التمرد ".
و تقدر الخسائر الفرنسية في الواقع بـ 22 ألف قتيل من العسكريين و حوالي ثلاثة آلاف من المدنيين ، و هو رقم لا يقارن حتى بعدد من لقوا مصرعهم في حوادث المرور العادية على مدى فترة الحرب ! و على أي الأحوال فقد انتهى الأمر بالفرنسيين إلى الإعتراف بخطئهم و ادركوا أن ثمن الاحتفاظ بالمستعمرة يفوق أي مكسب متوقع. و يتضح من ذلك أن المنطق الذي شنت به الحرب كان هو نفسه السبب في الاستسلام : بمعنى آخر ، فلقد خسرت فرنسا لأنها على وجه التحديد خاضت الحرب بوصفها امتداداً للسياسة و لكن بوسائل آخرى.

أما على الجبهة الجزائرية فقد كان الوضع مختلفاً تمام الاختلاف ، و كلما طال آمد النزاع بدا ذلك أوضح. فلم يدخل الشعب المنضوي تحت لواء جبهة التحرير الجزائري في أي حسابات تكاليف أو أرباح ، و لو كان قد فعل ذلك لما كان بدأ القتال من أساسه. و كان القتال من أجل البقاء مثلما فعل الشعب سيكلفه عدداً لا حصر له من العقوبات ، و قد بلغت الخسائر البشرية الجزائرية ، بعد انتهاء الحرب عدداً يتراوح بين 300 ألف و مليون قتيل ، من مجموع لا يتجاوز ثلث تعداد فرنسا. و الأهم من ذلك ان حساب النفقات و الأرباح انطبق معهم بطريقة عكسية : فكلما زاد حجم المعاناة و الدمار قل حجم ما يخشى الجزائريون أن يخسروه ، و بالتالي ازدادوا اصراراً على ألا يذهب ذلك النضال سدى. و بما أن الفرنسيين كانوا أسرى الفكر الاستراتيجي التقليدي ، شأنهم في ذلك شأن أمم " منطقية " كثيرة سبقتهم و تلتهم ، فقد استغرق الأمر وقتاً طويلاً لفهم هذه الحقائق. و عندما استوعبوا ما يجري و أدركوا أن كل فرد ، رجلاً كان أو امرآة ، يُقتل على الجانب الجزائري انما يشكل سبباً جديداً لمواصلة لقتال ، انتهي بهم الأمر إلى الاستسلام.

من كتاب : حرب المستقبل - مارتن فان كريفلد ، ترجمة : د. السيد عطا - مهرجان القراءة للجميع ، مكتبة الأسرة 1999 ، صفحة 174

الجمعة، ٧ سبتمبر ٢٠٠٧

الجزائريون

و لم يكن العربيّ الجزائري غير مُوَلَّدٍ بالحقيقة و نري فيه أحطَّ صفات المولدين ( ... ) ، و حَضَريُّو العرب من سكان مدن الجزائر نتيجة تمازج تلك الأمم ، و قد حَطَّتهم سيطرة الأجنبيّ المتتابعة ، و أعرابُهم مُتَمَرِّدون على كل حضارة كأهل البدو في كل قطر ، و هم أقل تمازجاً و انحطاطاً ( ... ) من حضريي العرب.

و يُجْمِع أولئك الحضريون و الأعراب على مَقْت الأوروبيين القاهرين لهم و حقدِهم الشديد عليهم ، و يُضَحِّي الجزائريَُ ، الذي نَصِفه بالخلي المُتَرَدِّ المِكْسال القانع الوضيع المُتَزَيِّد ( ... ) ، بماله و نفسه ، و يشترك في كل عصيان و تمرد ، للخلاص من حكم الأجنبيّ الذي فتح بلاده ، و قد تَمَُ إبادةُ عرب الجزائر بوسائلَ منتظمةٍ كالتي اتخذها الأمريكيون لإبادة أصحاب الجلود الحُمر ، و لكن الذي أعتقده هو أن الفرنسيّ لن يستطيع حملَ الجزائريِّ على التفرنس ، و أن من المتعذر أن يسود السلام في قطرٍ واحد بين العرب و الفرنسيين الذين ينتسبون إلى عرقين مختلفين ، و قد سمعت هذا الرأي ، الذي يُجتْنَب تدوينه في الكتب عادةً ، من جميع أولي البصائر في الجزائر ، و إني أوافق عليه موافقة تامة.

من كتاب :
حضارة العرب - غوستاف لوبون ، ترجمة عادل زعيتر - مهرجان القراءة للجميع ، مكتبة الأسرة 2000 ، صفحة 83

وَجب علي التنويه بأن الكاتب غوستاف لوبون فرنسي و هذا يفسر تحامله الشديد على الجزائريين.

الوهابيون


و الوهابيون ، الذين هم أكثر نشاطاً من العرب الآخرين و أقلُّ اندفاعاً وراء عوامل الزمن ، أشدُّ العرب مكراً و غَيْرَةً ، قال بلغريف في وصف الوهابيين :

" يقل الوهابيون عن العرب الآخرين كرماً و إقداماً و مَرَحاً و صراحةً ، و يزيدون عليهم صبراً و حِكمَةً ، و يندر أن يَدُلَّ كلامهم على سرائرهم ، و هم حَزَمَةٌ بعيدو الهمة جبابرةٌ ذوو انتقام ، قُسَاةٌ نحو أعدائهم ، مشكوكٌ في مودتهم لغير بني قومهم ، و لذا فهم جديرون بأن يُسَمَّوا ، من غير تجَنٍّ و مع كل تحفظ ، بإسكتلنديي جزيرة العرب.

ووجوهُهم ذات صُلُود و عُبُوس مما لا يُرَى مِثْلُه في وجوه عرب الشمال الطليقة ، و لا يُؤْخذون بدوافع الساعة العتيدة ، و إذا ما ساروا فبعد تفكير و إنعام نظر."

" و يَقْدِرون بإرادتهم القوية و ثباتهم و جَلَدهم على تنظيم شؤونهم الاجتماعية و السيطرة على جيرانهم مع ما فيهم من الذكاء المحدود ، و لا ريب في أنهم سينتصرون ، بفضل اتحادهم المتين ، على أعدائهم الذين أضعفهم انقسامهم ، و أن سيادة القسم الأعظم من جزيرة العرب ستكون لدولتهم الوهابية و أن أطماعهم و آمالهم ستتحقق في أقرب وقت. "

" و تتجلى أخلاقهم في أدقِّ شؤون حياتهم الأهلية ، و يجب على من يرغب في مفاوضتهم ألا يسترسل في كلامه و أن يَزِن حركاتِه كما يفعل عندما يحادث أعداءه ".

من كتاب : حضارة العرب - غوستاف لوبون ، ترجمة عادل زعيتر - مهرجان القراءة للجميع ، مكتبة الأسرة 2000 ، صفحة 78

الاثنين، ٣ سبتمبر ٢٠٠٧

عرب تحت الإحتلال

يسير المستوطنون في الضفة الغربية و هم مدججون بالسلاح ، و يعترضون طريق المارة العرب ليطلبوا منهم بطاقات الهوية ، و كثيراً ما يحلو لهم اقتحام بيوت العرب لتهديدهم ، و أحياناً ما يدمرون المحاصيل ، أو ينسفون المنازل لإجبار العرب على ترك الديار ، و لكن السلطات الاسرائيلية تقول إن هذه الممارسات تقوم بها قلة من المتطرفين.
و ينتقي الإسرائيليون غالباً صغار السن لإذلالهم ، و أحياناً ما يعترض الجنود طريق التلاميذ الخارجين من المدارس و يعتدون عليهم بالضرب ، أو يأمرون مجموعة منهم بكنس الشوارع بقمصانهم ، أو يصحبونهم إلى معسكراتهم لتنظيف المراحيض ، و أحياناً آخرى يتعمدون احتجازهم أيام الامتحانات حتى يرسبوا ، فهم يكرهون العرب المتعلمين ، و ينسون أن كل تلميذ عربي أُهين يُصبح ثمرة ناضجة تجندها منظمة التحرير الفلسطينية.
و في فبراير عام 1981 أصدرت الجمعية الاسرائيلية لحقوق الإنسان تقريراً حول معاملة العرب في الضفة الغربية ذكرت فيه أن جنود الإحتلال الاسرائيلي الذين وصلوا إلى مدينة الخليل تلقوا دورة تدريبية حول كيفية معاملة العرب ، و قال لهم المُحاضر : " إن العرب ليسوا بشراً و يجب معاملتهم كالحيوانات ، و أنهم يحبون الضرب و الإذلال ، و أنه في حالة دخول أحد المنازل العربية للتفتيش يجب ضرب الأب أمام أفراد أسرته و خاصة الأطفال حتى يشعر بالذل هذا إذا حاول المقاومة
و لكن إذا استعطفنا الأب أمام أطفاله فيكتفى بصفعه على وجهه لطمة أو لطمتين ، و لا بأس من بعض الضربات الخفيفة على جسده ، و في حالة ظهور رب الأسرة بمظهر التغطرس أو الإعتداء فيتم تحطيم بعض آثاث المنزل مثل فراش الزوجة أو جهاز التلفزيون مع سكب الزيت على الأرض ، و إلقاء المواد الغذائية في صندوق القمامة " ، و أشار هذا التقرير إلى أن بعض الضباط فضل الهجرة إلى خارج اسرائيل بعد أن أكمل خدمته بعد التجربة التي شهدها في الضفة الغربية.

من كتاب : اسرائيل من الداخل - ضياء الحاجري ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، مهرجان القراءة للجميع 2002 ، صفحة 94

السبت، ١ سبتمبر ٢٠٠٧

الماسادا


على الرغم من أن الرومان اكتفوا بأخذ الضرائب تاركين اليهود في سلام إلا أن اليهود نفسهم لم يتركوا بعضهم البعض في سلام ، فاستمرت بينهم الحروب و المذابح و التنافس على الحكم و النفوذ و متاع الدنيا ، و خلال الفترة التالية قُتل ما يزيد على مائة ألف يهودي أو عشرة في المائة من تعداد سكان المنطقة من اليهود.

ثم وقعت الطامة الكبرى عندما احتلت طائفة من اليهود المتطرفين قلعة " الماسادا " و قتلوا الحامية الرومانية ، و ألغوا القرابين التي كانت تُقدم في المعبد للإمبراطور الروماني ، و كان هذا بالنسبة لروما لا يحمل سوى معنى واحداً : التمرد. و قد حاول كبار اليهود إقناع المتمردين بالعدول عن العصيان ، ناصحين إياهم بأنهم لا يستطيعون محاربة روما دون جدوى ، و لم يكن هناك مفر من قدوم القوات الرومانية التي دخلت في حرب طاحنة مع المتمردين استمرت أربعة أعوام قبل أن يسقط المعبد ، ثم استمرت ثلاثة أعوام قتل خلالها عدة آلاف من اليهود على أيدي الرومان ، و لكن العجيب أن آلافاً آخرى سقطت على يد اليهود أنفسهم ، و تقدم الرومان ليحاصروا أورشليم أو يمنعوا عنها الطعام ، و تفشت المجاعة ، و تحول اليهود إلى وحوش تتخاطف الغذاء ، و اضطروا إلى تناول الأحذية و الأعشاب ، و في النهاية تحولوا إلى صغارهم يلتهمونهم في وحشية ضارية ، و تضور مئات الآلاف جوعاً.
و لم يبق سوى تحرير قلعة الماسادا من اليهود ، و بعد حصار طويل قاس بنى الجيش الروماني أبراجاً عالية و جاء بالمنجنيق في محاولة لإختراق القلعة ، و عندما أدرك إليعازر زعيم اليهود بالقلعة أن النهاية باتت وشيكة ، و أن الرومان باتوا على الأبواب حث جميع اليهود على قتل أنفسهم ، و قد قام الرجال بقتل النساء و الأطفال ثم أخذوا يقتلون بعضهم البعض ، أما الرجل الآخير الذي ظل على قيد الحياة فقد قتل نفسه بسيفه ، و لهذا يكون حادث الماسادا أول إنتحار جماعي في تاريخ اليهود ، و يشكل هذا الحادث آثراً بالغاً في الوعي اليهودي حتى عصرنا الحديث.
وقد أعدت اسرائيل حالياً قلعة الماسادا لتكون مزاراً سياحياً تقود إليه الأفواج السياحية ليطلعوا على الآثر الذي يحظى بإهتمام بالغ لدى الاسرائيليين كما يقاد إليه الجنود ليقسموا هناك ألا تتكرر الماسادا مرة آخرى في تاريخ اسرائيل.
و لكن الماسادا نفسها تخالف التعاليم اليهودية التي تحض على الحياة و تنهي عن الانتحار ، و لو أن كل اليهود امتثلوا لأوامر اليعازر قائد القلعة و انتحروا لما كان لليهودية ذكر اليوم.
و مع ذلك لم يتعظ اليهود مع سقوط المعبد الثاني في عام 70 قبل الميلاد ، و عادوا ليتمردوا مرة آخرى عام 133 ميلادية ضد الرومان ، و كان الرد عنيفاً أيضاً هذه المرة و قُتل آلاف اليهود و تم تدمير يهودا بالكامل و حظر الرومان الديانة اليهودية ، و قد هاجر معظم من بقى منهم على قيد الحياة إلى بابل.


من كتاب : اسرائيل من الداخل - ضياء الحاجري ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، مهرجان القراءة للجميع 2002 ، صفحة 43

الاثنين، ٢٠ أغسطس ٢٠٠٧

الإمبراطورية الأمريكية


يتصل بذلك أن الولايات المتحدة لا تعذب نفسها بلغة العواطف أو حديث الذكريات.

و مع أن قصة الإمبراطوريات علي طول التاريخ لم تعرف سخونة الغرام و دفء الحنين - إلا أن الإمبراطورية الأمريكية وصلت في إنكار العواطف و الزكريات إلي مدي غير مسبوق ، فالإمبراطوريات القديمة مثلاً تحملت مرات بإلتزامات أدبية و أخلاقية ، كان ضمنها رعاية حليف أو حماية صديق ، حتي أن جيوش " نابليون " و هي تنسحب من مصر بعد غزوتها الفاشلة في مطالع القرن التاسع عشر ، اصطحبت معها الجنرال " يعقوب " الذي ساعدها ضد قوي المقاومة الوطنية ، و اعتبرت فرنسا أنه من العار عليها أن تتخلى عنه.
لكن الإمبراطورية الأمريكية و بدون عناء ثقيل علي الضمير - تخلت عن أهم رجالها قي الشرق الأوسط و هو شاه إيران " محَمد رِضا بهلوي " ورفضت أن تمنحه حق لاجئ سياسي في أمريكا ، بل و كانت علي وشك تسليمه إلي الثورة الإيرانية في مقابل الإفراج عن الرهائن الأمريكيين الذين احتجزهم شباب الثورة الإسلامية في السفارة الأمريكية بطهران !

................................

................................

وعلي سبيل المثال فقد قامت تجربة بناء الدولة الأمريكية ( أساس الإمبراطورية الجديدة و سندها ) - فكراً و فعلاً و في جزء كبير منها علي جهد آخرين جرى توظيفهم بأسهل الوسائل و أرخص الآثمان ، ( وذلك بند آخر في منطق حساب الأرباح و الخسائر ).

- ففي مجال الفكر كان أمام الدولة الجديدة مخزون التراث الأدبي و العلمي و حصيلة الفكر السياسي و الإقتصادي العالمي بأكمله - و هو تراث دفعت فيه ثقافات آخري دم الرواد من أبنائها ، لكن الدولة الأمريكية حصلت عليه من أوله لآخره دون مقابل - أو حقوق ملكية علمية أو أدبية أو فكرية. ( و مع أن التجربة الأمريكية أبدعت في مجال التطبيق و تفوقت في مجال الإدارة - إلا أن المنابع و المناهل و المراجع الأساسية جاءت إلي أمريكا عابرة للمحيط - دون عناء و مجاناً ).

- ثم وقع في مجال العمل ما وقع قبله في مجال الفكر ، ذلك أن الموارد الهائلة التي كشفت غناها أمام أفواج المهاجرين أكدت لهم من أول نظرة أن استثمارها يفوق طاقة عملهم. و كانت " العبودية هي الحل ". و راحت قوافل السفن تحمل قطعان العبيد من أفريقيا أكداساً ( كالبضائع ) ، يموت نصفهم علي مدة الرحلة بسبب مشاق المحيط و قساوته ، ثم يصل نصفهم الآخر ( بمعجزة ) إلي شطآن العالم الجديد مقيدين بالسلاسل معروضين في المزاد ( و وثائق الدولة الأمريكية تكشف أنه من القرن السادس عشر إلي القرن الثامن عشر وصل إلي الأرض الأمريكية ما بين 25~30 مليون أفريقي أطبقت عليهم قيود العبودية ). و كان هؤلاء العبيد بشهادة كل مؤرخ لنمو الإقتصاد الأمريكي - هم الذين أنشأوا القاعدة الزراعية الأولي التي نهضت عليها الدولة الأمريكية - و هم الذين وقفوا أمام أفران الحديد و الصلب و نارها اللافحة عندما توهجت الثورة الصناعية.

و أكثر من ذلك فإن المجندين السود كانوا هم الذين تحملوا بأصعب المهام في الحروب الأمريكية كلها و آخرها و أشهرها حرب فيتنام. و رغم أن نسبة السكان من الزنوج في الولايات المتحدة تقارب 12% من مجموع السكان - فإن نسبة قتلاهم في الحرب العالمية الأولي بلغت 38% و في حرب فيتنام بلغت النسبة 50% ، حتي أن " مارتن لوثر كنج " الزعيم الزنجي المشهور ( الحاصل على جائزة نوبل للسلام ) لم يكن يكف في مواعظه عن الاستشهاد بالتعبير الذي يقول " إن حرب فيتنام كانت مذبحة كُلف فيها الرجل الأسود بقتل الرجل الأصفر ( يقصد أهل الشرق الأقصى ) ".

و انتهت العبودية دون تصفية آثارها ، و إنما بقى بعدها تمييز عنصري مازال حتي اليوم جُرحاً غائراً في الوجدان الأمريكي - مسكوتاً عنه - لكنه حتي هذه اللحظة دون علاج ، لأن الصمت عن الوجع لا يشفيه.

...........................

...........................

[ و قد فقد السيناتور " ترنت لوت " عضو مجلس الشيوخ عن ولاية مسيسيبي و زعيم الأغلبية الجمهورية مركزه الرسمي لأنه تحسر علي ظرف ضاعت فرصته لتشديد القيود علي الزنوج ، و كانت خسارة السيناتور " لوت " لمركزه لا ترجع لإساءته إلي مشاعر الأمريكيين السود ، و إنما لأنه ذكر - أو أعاد التذكير - بقضية التمييز العنصري ، و هي قضية لا تزال متفجرة - لكن أحداً لا يريد عود ثقاب بالقرب من مستودع البارود].

و كان إنعكاس ذلك على سياسة الإمبراطورية الأمريكية شديد الوطأة ، فالإمبراطوريات القديمة حاولت أن تغطى استغلالها للمستعمرات بدعاوي أخلاقية من نوع " مسئولية الرجل الأبيض عن نشر الحضارة " ، و من نوع " إدخال النور إلي قارات الظلام " ، و من نوع " حرية البحار و حرية التجارة " ، و مع أن هذه الدعاوي كانت - في معظم الأحيان - شحنات من نفاق ، فإن الدلالة الأهم لهم أن " الأقوياء " استشعروا حاجتهم إلي سواتر أخلاقية - و لعل هذه السواتر الأخلاقية أحياناً اعتذار تقدمه القوة بين يديها كي تبرر لنفسها و تلتمس الصفح - لكنه في النموذج الأمريكي فإن هذه السواتر الأخلاقية بدت زوائد لا تحتاجها المصالح ، و بالتالي فإنه لا حاجة إليها ، اتكالاً علي الصمت أن يؤدي واجبه حتي يجئ دور النسيان ليسدل أستاره إلي الأبد.

من كتاب : الإمبراطورية الأمريكية و الإغارة علي العراق - محَمد حَسنين هيكل ، دار الشروق ، الطبعة السادسة 2006 ، صفحة 36

الأحد، ١٩ أغسطس ٢٠٠٧

مافيا

علي أن ما هو أغرب جاء مع المعركة الثانية للقوات الأمريكية علي مسار الحرب ، و هي معركة النزول في صقلية. و كان محتملاً في هذه المعركة أن تكون إنزالاً حقيقياً ( بكل مخاطر عمليات الإنزال من البحر إلي الشاطئ أمام تحصينات قوية و نيران معادية ) - لكن البيت الأبيض تحرك لكل الوسائل ، و شاغل الرئيس فيه ( و هو " فرانكلين روزفلت " وقتها ) : كيف يمكن تقليل خسائر الإنزال في عملية صقلية بأقل كلفة من الدم ، لأن هذه الجزيرة مطلوب منها أن تتسع لنصف مليون جندي أمريكي ثم تتحول إلي منصة قفز لهم علي شبة الجزيرة الإيطالية المتدلية في البحر الأدرياتيكي.

و كان البيت الأبيض بنفسه هو الذي تولي رسم و رتب تنفيذ خطة تقليل خسائر الإنزال في صقلية - و كان الرسم و الترتيب علي شكل مقايضة مباشرة و عملية ( دون روادع من أي نوع : ديني - أخلاقي - قانوني أو غيرها ! ) ، شملت ترتيبات لا تتخفى و لا تتستر - وسياقها علي النحو التالي :

- أن " عصابات المافيا " في نيويورك ( ذلك الوقت ) علي اختلاف أسرها هم في الأصل مهاجرون من صقلية.

- ولعصابات المافيا في هذه الجزيرة اقارب و أنصار و استثمارات كبيرة توفر أرزاقا و تعقد ولاءات ، بل و تشتري السلطة المحلية في الجزيرة.

- ومعني ذلك أن " عصابات المافيا " قادرة علي تسهيل عمليات إنزال القوات الأمريكية القادمة من المغرب إلي صقلية لكي تبدأ غزو إيطاليا ( مقدمة لكسر قبضة ألمانيا و كسر رأسها أيضاً ! ).

- و بناء عليه فقد كلف الرئيس " روزفلت " أحد مساعديه ( " هاري هوبكنز " ) أن يعرض علي زعماء المافيا نيويورك صفقة مقايضة - قبلت بها عصابات المافيا ، و اتفقت عليها بأعصاب باردة - و شروطها :

1- تحصل عصابات المافيا مقدماً علي 25 مليون دولار " لوضع قطع الحلوى في أشداق بعض المسئولين في صقلية ". ( كذلك سجلت مذكرة الرئيس عن الإتصالات ) !

2- تكون للمافيا " حقوق حماية " بعد تحرير ايطاليا ، و هذه الحقوق يلزم أن تكون إيجابية ، بمعني أنها لا تقتصر علي مجرد التغاضي عن نشاط هذه العصابات في أمريكا وحدها ، و إنما تضمن لها فوق ذلك و زيادة عليه مشاركة فاعلة و مؤثرة في الشأن الايطالي.

3- تتشاور الجهات الأمريكية المعنية مع زعماء عائلات المافيا في ترتيب " علاقة عمل " مع أجهزة الأمن الأمريكية تكفل كذلك تغطية نشاط عصاباتها في الولايات المتحدة ذاتها ، بما في ذلك أن يكف مكتب التحقيقات الفيدرالي عن الوقيعة بين علائلاتها و تحريض بعضها علي بعضها الآخر.

و بعد هذه الصفقة - و ليس قبلها - وصلت ناقلات الجنود الأمريكية إلي شواطئ صقلية ، و نزل الجنرال " باتون " و مدرعاته من البحر إلي البر ، و كان زعماء عائلات المافيا و أبنائهم و زوجاتهم و أطفالهم و رجالهم و أعوانهم في الإدارة المحلية ( بل و حتي تلاميذ المدارس ) يلوحون بالأعلام الأمريكية ، و يهللون لوصول كل قارب من قوارب الإنزال الناقلة للجنود و الأسلحة و الذخائر.

و من المدهش أن ذلك الوضع الخاص للمافيا - بناء علي إتفاق النزول الأصلي في صقلية - ظل سارياً حتي وقت قريب. و الشاهد أن محاكمة السياسي الايطالي " جوليو أندريوتي " و الحكم عليه قبل أسابيع قليلة بالسجن 22 سنة بتهمة التغطية السياسية علي عصابات الجريمة المنظمة - جاء مظهراً من مظاهر نفاذ و استمرار ذلك الإتفاق بين حكومة الولايات المتحدة و بين عصابات المافيا سنة 1942 ، و تأكيداً لسريان مفعوله حتي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بأكثر من 60 سنة ( سنة 2002 ) - مع ملاحظة أن " أندريوتي " تولي رئاسة الوزارة في ايطاليا ثماني مرات ! ( و من الغريب أن " أندريوتي " حينما سمع الحكم عليه بالسجن لمدة اثنتين و عشرين سنة لم يغضب و لم يثر ، و إنما ذَكر الصحفيين بعمره ( 85 سنة ) ، و كان تعليقه بسخرية : " يظهر أن هؤلاء القضاة يتصورون أن عمري ممتد إلي الأبد! " ).

و من الأغرب في القضايا المنظورة الآن و المتصلة بنزاهة الحكم في عهد رئيس وزراء ايطاليا الحالي " برليسكوني " - أن ظل عصابات المافيا مازال - حتي هذه اللحظة يحوم حول قاعة المحاكمة - يظهر و يختفي ثم يعود إلي الظهور !

من كتاب : الإمبراطورية الأمريكية و الإغارة علي العراق - محَمد حَسنين هيكل ، دار الشروق ، الطبعة السادسة 2006 ، صفحة 28

مسيحيو المشرق


و في حالة الفوضي تُشارك فيها الأقلام و الحجارة و السيوف ، و تفتي فيها صفحات الجرائد و شاشات التلفزيون و أجهزة الراديو ، و منابر المساجد و أجراس أبراج الكنائس - فإن الأمور في النهاية تحتاج إلي صَوتِ يقول : مَهْلاً !

ثم يكون علي الجميع أن يخفضوا أصواتهم و لو مؤقتاً و يتذكروا أن سُلطة الدولة العليا هي المُكَلفة بالمسئولية قبل غيرها ، و هي القادرة علي أن تلحق ، و الأفضل أن تسبق.


بقي إنه ما دام الحديث كله حديث ضمير فإن هناك ملاحظة لابد لها أن تقال و هي ملاحظة تعبر ضفاف النهر الواحد ، و تتخطي صحاري الوطن المصري ، واصلة بقلق حقيقي إلي المشرق العربي - و هي ملاحظة تتعلق بمسيحيي المشرق ( في فلسطين ، و لبنان ، و سوريا ، و العراق ، و حتي تركيا ).

هناك ظاهرة هجرة بينهم يصعب تحويل الأنظار عنها ، أو إغفال أمرها ، أو تجاهل أسبابها ، حتي و إن كانت الأسباب نفسية تتصل بالمناخ السائد في المنطقة أكثر مما تتصل بالحقائق الواقعة فيه !

و أشعر - ولابد أن غيري يشعرون بذلك - أن المشهد العربي كله سوف يختلف إنسانياً و حضارياً - و سوف يصبح علي وجه التأكيد أكثر فقراً و أقل ثراءً لو أن ما يجري الأن من هجرة مسيحيي المشرق تُرِكَ أمره للتجاهل أو التغافل - أو للمخاوف حتي و إن لم يكن لها أساس.

و ظني أن جموع المسلمين في الأمة مطالبة أكثر من أي وقتِ مضى بأت تعرف و تُدرك بيقين أهمية مواريثها ، و حيوية تَنَوُع ثقافتها ، و خصوصية التركيبة الخلاقة و المبدعة في تشكيل حياتها.

أي خسارة لو أحَس مسيحيو المشرق - بحق أو بغير حق - أنه لا مستقبل لهم أو لأولادهم فيه ، ثم بقي الإسلام وحيداً في المشرق لا يؤنس وحدته غير وجود اليهودية الصهيونية - بالتحديد - أمامه في إسرائيل ؟!

من كتاب :
عام من الأزمات 2000-2001 - محمد حسنين هيكل ، المصرية للنشر العربي و الدولي ، الطبعة الخامسة ، صفحة 52

الجمعة، ١٧ أغسطس ٢٠٠٧

الكاروشي


في الصباح الباكر لأحد أيام شهر يوليو من العام 1990 ، و في فندق ناجويا ، وقف السيد إيشيي تحت الدش ليستحم. و جون إيشيي رئيس قسم في مؤسسة ميتسوي و شركاه ، في السابعة و الأربعين من عمره ، يجيد اللغة الروسية ، و قد كان في ذلك الصباح يستعد لقيادة جولة لعدد من زبائن الشركة الروس ، في مصنع ينتج آلات الورش. غَير أن السيد إيشيي لم يُقدر له أن يكمل حمامه ، حيث سقط تحت الدش و مات في الحال بسكتة قلبية. و كان الرجل قد قام بعشر رحلات إلي روسيا في أثناء عامه الأخير ، بل إنه حقيقة ، كان عائداً لتوه من آخر هذه الرحلات ، و سبق له أن أصطحب عدداً لا يحصي من الأفواج الروسية إلي مختلف أنحاء اليابان. و قامت الشركة بعد وفاته - بقليل - بتقديم تعويض لعائلته قيمته 200 مليون ين : حوالي ربع مليون دولار. و بعد عامين ، أصدرت إحدي محاكم طوكيو حكماً بأن تدفع الحكومة لأرملة السيد إيشيي معاشاً سنوياً قدره مليونا ين مدي الحياة. و استندت المحكمة في ذلك إلي إعتبار أن إيشيي كان ضحية لما يسمي كاروشي أي الموت بسبب الإرهاق في العمل.
لم يكن مصير جون إيشيي أمراً غير مألوف ، ففي العام الذي توفي فيه قدر عدد ضحايا الكاروشي ، أي أولئك الذين يموتون بسبب ضغوط الإرهاق في العمل ، قُدر بعشرة آلاف مستخدم كل عام ، و ذلك وفقاً لتقدير إحدي منظمات مساعدة آسر ضحايا الكاروشي. و الحق أنه كانت قد صدرت أحكام مشابهة قبل موت إيشيي ، و لكنها كانت تتعلق بحلات عمالة بدنية في شركات صغيرة. أما حالة جون إيشيي فهي الأولى التي فيها اعترفت اليابان رسمياً بأن محاربي الشركات الكبرى يمكن أن يموتوا بسبب التفاني في العمل.
و ذكري ضحايا الكاروشي غالباً ما تلاحق عائلاتهم ، فالزوجة مثلاً ( أو الزوج ) تتذكر بعض النُذُر التي لم تنتبه إلي مدلولاتها : الشعور المزمن بالتعب ، فترات الصمت غير المفهومة ، الأرق ، الصداع ، النظرات الزائغة ، و أحياناً يكون الضحايا قد تركوا إيحاءات بأنهم يدركون حقيقة ما يحل بهم ، و إن كانوا - على الطريقة اليابانية المعهودة - يخفون ما يعانونه عن الآخرين. و غالباً ما تنتاب العائلات أحاسيس بأن الشركة و الدولة قد خانتهم ، و لهذا السبب تخوض كثير من عائلات الضحايا معارك طويلة في المحاكم لانتزاع اعتراف بالسبب الحقيقي في موت الضحية.

من كتاب :
اليابان رؤية جديدة - باتريك سميث ، ترجمة سعد زهران ، سلسلة عالم المعرفة العدد 268 ، صفحة 162

الخميس، ١٦ أغسطس ٢٠٠٧

دروس موسعة للنساء


في 1672 ، قام أحد الدارسين للكلاسيكيات الصينية ، و اسمه إكن كايبارا ، قام بنشر أحد الكتب المعروفة لعصر إدو ، عنوانه أونا دايجاكو ( دروس موسعة للنساء )، و هو كتاب يشبه نظائره التي جُمعت فيها معايير السلوك المقصود بها إرشاد مختلف الطبقات في عصر إدو. فكما كانت تُوجه الإرشادات إلي الفلاحين بخصوص ما يأكلون و أين يحفرون أماكن الغائط، كذلك كانت توجه إلي النساء تعليمات لإرشادهن إلي السلوك الأمثل لبنات جنسهن : " لا تغفلي " ، " لا تكتبي رسائل للشباب " ، " لا تذهبي إلي الأماكن المزدحمة " ما أشبه. و لكن كتاب الدروس الموسعة اكتسب القدرة علي دوام الشهرة ، ( و لو جزئياً ) - بفضل توصيف قبيح المرأة نصه :
" للنساء خمس نواقص: العقوق و النكد و التشهير و الغيرة و الجهل. و تصيب هذه النواقص سبعاً أو ثماني نساء من كل عشر ، و هذا ما يجعل النساء في مرتبة أدني من الرجال. فكري في نفسك ، و أصلحي من أخطائك. و الجهل هو أسوأ النقائص علي الإطلاق ، و هو الأب الشرعي للأربع الأخريات. النساء هن السلبية ، و السلبية هي الليل ، و هي الظلام ".
هكذا خلقت اليابان ، علي حد تعبير جونيشيرو تانيزاكي ، " عالم أشباحها " ، و هو عالم تحتل فيه النساء أقاصيه السحيقة. و إن المرء ليعجب و يتساءل اليوم ، أي زكريات بين الجنسين لما كانت القدرات الخارقة للنساء ، تلك التي دفعت الرجال للإقدام علي هذه الإدانة الساحقة الماحقة للجنس النسائي؟ و الحق أن حجب النساء تماماً عن الضوء و الإشراق يعبر عن خوف لا عقلي ، بدائي ، يمت لأسباب الوجود الأولي. و إلا فما الذي يدعو إلي حرمانهن بكل هذا التصميم من الشمس ، من ذلك المصدر الأولي للقوة ، الشمس التي اعتبرها الأقدمون رمزاً لهن؟
لم يكن ما احتواه كتاب الدروس الموسعة موجهاً إلي عدد كبير من الناس ، أو ربما لم تكن كذلك بركاته و ذخائره. ذلك أن أغلبية الفلاحين ، و غيرهم من العوام ، ممن هم من خارج دائرة التقاليد العظيمة - طيلة العصر الإقطاعي - كانوا جميعاً متروكين لممارسة ما اعتادوا عليه من شؤون الزواج و العائلة. و ظلت كثير من بقايا المجتمع الأمومي تعيش في الريف ، بعضها حتي قرننا هذا. و بعد أن كانت زوجات الساموراي قد أُغلقت عليهن الأبواب لزمن طويل ، كان يمكن أن يصادف المرء ثقافة مساواة معتبرة بين الريفيين العاديين ، حيث لم يصبح طرف ملكيةً لطرف أخر. و يمكن لرجل حديث الزواج أن يُستوعب في عائلة عروسه ، في تناقض واضح مع ثقافات و ممارسات الطبقة العليا. و لقد كانت حياة القري شاقة دائماً ، و لكن برغم كل شئ ، كانت حياة النساء الريفيات أكثر حرية من حياة نساء الطبقات العليا.

من كتاب : اليابان رؤية جديدة - باتريك سميث ، ترجمة سعد زهران ، سلسلة عالم المعرفة العدد 268 ، صفحة 199

تعليم البنت في مصر


رغم افتتاح مدرسة للمولدات و الحكيمات في مصر سنة 1832 ، و رغم افتتاح الانجليز لمدرسة بتعليم البنات سنة 1835 م و كان أكثر بناتها من بنات الأقباط ( المسيحيات ) و قليل منهن من المسلمات ، و خرجت عددا منهن قادرات علي القراءة و الكتابة و كسب العيش بالتطريز و أشغال الأبرة ، و رغم أن محمد علي كان يسمح لبعض المعلمات الأوروبيات بتعليم فتيات الأسرة الحاكمة و حريمها ، و رغم أن وجهاء القوم من الطبقة الأرستقراطية نهجوا نفس نهجه ، فإن عصر اسماعيل ينتهي سنة 1879 م و ليس بمصر سوي مدرستين للبنات ، السيوفية انشئت في يناير سنة 1873 م و القريبية في أبريل من نفس السنة ، السيوفية افتتحت بجهود ثالثة زوجات اسماعيل ، و اعتمدت في البداية علي الفتيات الجواري من بيتها و بيوت أميرات و أمراء الأسرة الحاكمة.

و ساعدت جودة المعيشة داخل المدرسة نظراً لما تقدمه من غذاء و ملبس علي تزاحم الناس لادخال بناتهم اليها فامتلأت بالداخليات المحلات المُعدة لهن و عددها مائتان ، و اضطرت ادارة المدرسة امام هذا الاقبال أن تنشئ مائة محل أخري ، و لكن خارجية ، لمن لم يمكن قبلولهن في مصاف الداخليات.

و كانت المدرسة الجديدة تحت نظارة سيدة سورية و كانت برامجها التعليمية تدور حول القرآن الكريم ، و اللغة التركية ، و الرسم. و كان بها ثماني مدرسات : أربع لأشغال الأبر و التطريز و واحدة للبيانو و واحدة للغسيل و الصبغ و الكي ، و اثنتان للأشراف.

و بناء علي نجاح الاقبال علي السيوفية تم انشاء مدرسة أخري للبنات علي غرارها باسم مدرسة القريبية. و لكن بعد عزل الخديو اسماعيل تم دمج المدرستين في واحدة ، فساء حالها مما دعا دور بك إلي رفع تقرير عن المدرسة حث فيه علي ايجاد ادارة حازمة ، و حذف بعض المواد الدراسية التي لا تتناسب مع طبيعة تعليم البنت في البيئة المصرية. كما اقترح قومسيون المعارف انشاء مدرسة للبنات في مدينة اخري غير القاهرة ، لكن لم ينفذ الاقتراح.

أي أن أكثر من أربعين سنة ( منذ افتتاح مدرسة المولدات سنة 1832 حتي افتتاح مدرسة السيوفية سنة 1873 ) في مجتمع يأخذ بأسباب النهضة و التقدم لم تسفر الا عن مدرسة واحدة للبنات سيئة الحال ، غير أن هذا كان علي مستوي الفعل الرسمي للحكومة ، أما علي المستوي الفكري و الثقافي فقد شغلت قضية تعليم البنت أذهان معظم المفكرين و التربويين في تلك الفترة و منهم الطهطاوي صاحب كتاب المرشد الأمين في تعليم البنات و البنين الدعوة الأولي لتعليم البنت في مصر. و قبل عرض آراء الطهطاوي في تعليم البنت نورد الملاحظات التالية :

- أن الدعوة لتعليم البنت كجزء من الدعوة إلي تحريرها ، تمت في مجتمع أمي بالجملة ذكوراً و إناثاَ.

- أن الدعوة تمت في مجتمع ذكوري أبوي مستبد علي المستويين السياسي و الاجتماعي ، ففي السياسة حكم مطلق فردي مستبد ، و في البيت يمثل الرجل صورة مصغرة من الحاكم ، و من هنا احتلت المرأة المكانة الثانية بعد الرجل ، و بالتالي فرضت عليها التبعية و وضعت خارج نطاق الحياة رغم مالها من مكانة حيوية.

- بناء علي ما سبق ، كانت الدعوة لتعليم البنت في مجتمع يقرن بقوة و عسف و إصرار بين التعليم و الفجور ، بين السفور و الخلاعة ، أي يتناول القضايا المتصلة بموضوع المرأة وفق معيار أخلاقي متعنت.

- أن الدعوة و علي ما يبدو كانت موجهة لطبقة اجتماعية معينة ، و هي الطبقة الميسورة المحافظة و التي تنفر من سفور المرأة و تعليمها و اختلاطها و عملها ، أي مشاركتها الحياة العامة بوجة عام. أما بالنسبة لنساء الطبقات الفقيرة من العمال أو الفلاحين فقد كن يرحن و يجئن طليقات من غير قيد ، و كثيراً ما يتفق أن يكلفهن أزواجهن من المهام خارج البيت.

مما سبق يتضح أن موقف المجتمع المصري من قضايا المرأة كان يعكس فكر القرون الوسطي. و من هنا يمكن اعتبار فكرة الطهطاوي الخاصة بقضايا المرأة أول اطلالة مصرية للمرأة تعبر عن فكر العصور الحديثة ، مع ملاحظة أن هذه الاطلالة تعبر في الاساس عن عقلية ازهرية دينية في المقام الأول مما ينفي عن الإسلام شبهة وأد حقوق المرأة.

و يبدأ الطهطاوي مناقشته لقضية تعليم المرأة بالحكم علي من لا يوفيها حقوقها بالطبيعة " المتبربرة " و يرد علي من يعارض منح المرأة حقوقها بحجة ضعفها ، بأن ذلك ليس من طبيعة جنسها ، بل هو ثمرة أوضاع بيئية و اجتماعية و تربوية ، بدليل أنه عندما " انتظم نساء اليونان في سلك التربية ، اكتسبن من التعليم فضائل الرجال و صحت الأبدان ، فبهذا كان لهن السلطة العليا علي قلوب الرجال بحسن التربية و التعليم ، فكان يجب عليهن معاناة الرياضات الشاقة و استمرار اللعب كالمصارعة ، فذلك حدث في تلك البلاد ، مدة طويلة ، من العجائب و الغرائب ما يساوي شجاعة الرجال ".
و يدلل الطهطاوي علي حق المرأة في التعليم في حياة الرسول ( صلي الله عليه و سلم ) حيث كان في أزواجه ( صلي الله عليه و سلم ) من تكتب و تقرأ كحفصة بنت عمر و عائشة بنت أبي بكر و غيرهما ، و أنه لم يعهد في النساء ابتذالاً بسبب تعليمهن و معارفهن ، فتعليمهن تنوير للعقول بمصباح المعارف المرشد لهن ، فلاشك أن حصول النساء علي ملكة القراءة و الكتابة ، و علي التخلق بالأخلاق الحميدة ، و الأطلاع علي المعارف ، هو أجمل صفات الكمال الإنساني ، و هو أشوق للرجال المتحضرين من الجمال ، فالأدب للمرأة يغني عن الجمال ، لكن الجمال لا يغني عن الأدب ، لأنه عرض زائل. و أيضاً أدب المرأة و معارفها تؤثر تأثيراً كبيراً في أخلاق أولادها ، إذ البنت الصغيرة متي رأت أمها مقبلة علي مطالعة الكتب و ضبط أمور البيت و الاشتغال بتربية أولادها جذبتها الغيرة إلي أن تكون مثل أمها ، بخلاف ما اذا رأت أمها مقبلة علي مجرد الزينة و التبرج .. و قد قضت التجربة في كثير من البلاد أن نفع تعليم المرأة أكثر من ضرره ، بل أنه لا ضرر أصلاً ، فليتمسك كل من الفريقين ، الذكور و الإناث ، بفضل التعليم و التعلم و ليتشبثوا جميعاَ بأذيال المدارس و المطالعة ليقتطفوا من ثمار العلم و منافعه.

فالتعليم هنا يزيد الإنسان - ذكراَ أو أنثي - أدباَ و عقلاَ و يجعله بالمعارف أهلاً .. و يحسن فيه الأدب و يساهم في تكوين الأسرة المتماسكة لما يحققه فيها من حسن المعاشرة.

فتعليم المرأة يكون علي قدم المساواة مع الرجل رغم أن المرأة تتميز بتدبير المعايش الأولية ، و للقيام بالأشغال الضرورية و المتاعب المعاشية و مباشرة فراش المرض. و تخفيف الآلآم و الأسقام.

كما يحق للمرأة أن تعمل عند اقتضاء الحال ، فتتعاطي المرأة من الأعمال و الأشغال ما يتعاطه الرجل علي قدر طاقتها.

من كتاب : التعليم و التغيير الاجتماعي في مصر في القرن التاسع عشر - سامي سليمان محمد السهم ، الهيئة المصرية العامة للكتاب 2000 ، صفحة 256

الصيد


هناك ظاهرة تَستَوقِف النظر ، و لا بد أن يلاحظها كل قارئ مُهتَم بالملفات الاسرائيلية و يقرأ فيها قراءة تحقيق و تدقيق.

خلاصة هذه الظاهرة أن لاسرائيل تجاه العالم العربي أكثر من سياسة ، و هذا مفهوم في جزء منه ، بمعني أن اسرائيل يمكن أن تكون لها سياسة مع دول عربية ليست لها حدود مباشرة معها - و تكون هذه السياسة مُختلفة عن سياستها مع دول ملاصقة لها - و بالتالي فإن اسرائيل مع دول مثل السعودية و غيرها من دول الخليج تستطيع أن تتخذ سياسة حِرص من بعيد عارفة حَق الفواصل الجغرافية و مُحَدداتها. و كذلك فإن اسرائيل يمكن أن تكون لها سياسة خاصة لها اعتباراتها و خلفياتها مع بلد مثل الأردن رغم ملاصقته لها في الجوار. و لكن الذي يَستَوَجِب الملاحظة و يَستَحِقها هو وجود اختلاف في السياسات المتبَعة إزاء مصر و تلك المتبَعة إزاء سوريا - بينما كلاهما مجاوِِر لاسرائيل - بالإلتصاق - و كلاهما مُعاد لها - بالمبادئ و التصرفات.

و مع أن عداء اسرائيل للبلدين - مصر و سوريا - مُحَقق و مُؤكد - إلا أن التعبير الاسرائيلي عن العَداء مُتَباين : ففي حالة سوريا بُعَبر العَداء عن نفسه بأسلوب ، بينما هو في حالة مصر يَتخذ أسلوباً غيره. و في بعض الأحيان يبدو الخلاف في السياسات الاسرائيلية إزاء مصر و سوريا مُوحِياً بأن مَطالب اسرائيل في الجنوب ، غير مطالبها في الشمال. و من ثم فإن طريقة مواجهتها للطرف العربي - الجنوبي الأفريقي في مصر - مختلفة عن مواجهتها للطرف العربي - الشمالي الآسيوي في سوريا.

و الحاصل أنه مع سوريا فإن العداء الاسرائيلي يَعتَمد أسلوباً يكاد تركيز ضغطه أن يكون علي الأعصاب ، بحيث يستثيرها و يُفقدها التوازن. و إزاء مَحدودِية الفُدرة علي رَد الفِعل فإن الضغط علي الأعصاب - كذلك التقدير - يُحَول كل التفاعلات إلي احتقان يَرتَد أثره إلي الداخل السوري قبل أن يَنفَجِر ناراً علي الحدود.

و أما مع مصر فإن العداء الاسرائيلي يَظهَر منذ اللحظة الأولي تصميماً علي القتل ، فالعداء علي الجبهة المصرية باستمرار حرب لسفك الدَم دون أي اعتبار أخلاقي أو إنساني ، و لكسرِ الإرادة و ليس لمجرد استثارة الأعصاب أو الاعتماد علي احتقان داخلي !

ثم لا يلبث القارئ المحقق المدقق أن يكتشف أن وراء اختلاف التعبيرات عن العداء في الحالة المصرية عنها في الحالة السورية أسباباً منطقية تكشف عن نفسها دون عناء كبير :

1- عداء اسرائيل لمصر يهدف إلي إبعادها و إخراجها عن الصراع العربي الاسرائيلي و يُعَزز هذه اعتقاد بأن عودة مصر إلي ما وراء حدودها في أفريقيا هدَف ممكن.

و أما في الحالة السورية فإن سوريا موجود بالجغرافيا و التاريخ داخل البؤرة المباشرة للصراع العربي الاسرائيلي - حتي تكاد فلسطين أن تكون جزءاً من سوريا ( و قد كانت فلسطين بالفعل هي سوريا الجنوبية ( الشام الجنوبي ) بفعل الحقائق الجغرافية في الإقليم ، و تلك حقائق أكدَت نفسها لزَمَن طويل في تاريخ هذا الإقليم و إذن فإن سوريا - علي عكس مصر - لا يمكن إخراجها - و إذا كان ذلك فهي باقية - مهما حدث - جزءاً من جسمه الحي ).

2- و علي هذا الأساس فإن أقصي العنف ضروري مع مصر لأن الهدف هو قطع اتصالها بالمشرق العربي - و إذن فهي الجراحة دَمَوِية و حتي بدون تطهير للجَرح أو تضميد. و أما مع سوريا فإت الجراحة ليست ضرورية ، و الجَرح ليس مَطلوباَ - و إذن فالترويض أنفَع من العُنف ، و التطبيب أنجَع من الجراحة ، إلا في الحالات القصوي و في أضيق الحدود.

3- يتصل بذلك أن اسرائيل لا تَدعي لنفسها مَطالب من أي نوع ( أسطوري ، أو تاريخي ) في مصر ، و كل ما تريده من مصر هو أن تَحِل عنها و تُرَتب حياتها و مُستقبلها بعيداً عنها في أفريقيا.

و أما سوريا فإن مَطالب اسرائيل علي أجنابها ، كما أن بعض المطالِب في أطرافها مباشرة خصوصاً مَطلب المياة.

4- و معني ذلك أن اسرائيل لا تُمانع أن تقطع كل الصلات بمصر إذا هي انعزلت ، و لكنها لا تستطيع أن تقطع صلاتها بسوريا و هي قلب الشام ، بينما فلسطين في الواقع الجغرافي و التاريخي جزء من الشام - لأنها بالضبط جنوبه.

و هكذا فإن اسرائيل جاهزة لاستعمال أقصي درجات العنف لإبعاد مصر حتي و إن خَلقَت ثارات في الدَم تَستَوجب القصاص - لكنها مع سوريا لا تريد لثأر الدَم أن يَتَعَمق - و قصاري ما تَسمَح به - من جانبها - مع سوريا عُقَد نَفسِية مُستحكَمة يمكن حلها ذات يوم إذا انسلخت الأجواء ( كذلك يُقَدرون؟! ).

5- و أخيراً فإنه مما يُزَكي هذا التباين في السياسات الاسرائيلية بين أسلوب التعامل مع مصر و أسلوب التعامل مع سوريا - وجود إدراك اسرائيلي عميق يري أن مصر بحَجمِها و مواردها هي مفتاح الحرب لأنه بغيرها لا يملك العرب إمكانية القتال - و أما مع سوريا فهي بموقعها و بدَورِها مفتاح السلام ، و بغير توقيعها علي صَكه النهائي تظل بؤرة الصراع و محيطها في حالة تَوَتُر و قلق.

و في سياق الحوادث المؤدية إلي ظروف سنة 1967 و ملابستها فإن الجنرال " أهارون ياريف " مدير المخابرات العسكرية الاسرائيلية ( " أمان " ) كان هو الأدق في تصوير الفارق بين تعبيرات السياسة الاسرائيلية في عدائها لسوريا ، و بين تعبيراتها في عدائها لمصر. و قد وَرَدَ وصف الجنرال " ياريف " في مذكرة ضمن أوراقه التي أودِعَت في مركز للدراسات الإستراتيجية أطلق عليه اسمه بعد وفاته. و يَظهَر أن الجنرال " ياريف " قَدَمَ مذكرته إلي اجتماع سياسي علي مستوي عال في أوائل سنة 1966 ، و في هذه المذكرة حاول " ياريف " أن يطرح تقديراته للموقف علي ضوء التطورات التي أعقبت مؤتمر القمة العربي الذي عُقد في الرباط في 12 سبتمبر 1965. و في مقدمة ورقته ذكر " ياريف " أن اللواء " أمين حافظ " كان أعلي الأصوات المنادية بحرب اسرائيل إلي النهاية في مؤتمر " كازابلانكا " - في حين أن الرئيس " ناصر " رَد عليه بنبرة تَعَقل أوضح فيها أن سوريا ينبغي عليها أن تراعي في تصرفاتها أقصي درجات الحَذّر لأن العرب في اللحظة الراهنة عليهم أن يزيدوا من دَرَجة استعدادهم و إمكانية التنسيق بينهم ليكونوا قادرين علي الدفاع عن أنفسهم و عن مشروعاتهم داخل حدودهم.

ثم مضي الجنرال " ياريف " ليقول في الخُلاصة :

" مع أن دمشق هي نداء الحرب في هذه اللحظة و القاهرة هي صوت الحَذَر - فإن تقديرات اسرائيل لتصرفاتها لابد أن تقوم علي أساس أن الخطر الرئيسي علي اسرائيل من الجنوب و ليس من الشمال " ! و و فيما بعد ( بسنين طويلة ) شارك الجنرال " ياريف " في مؤتمر خاص رَتبَته كلية الدفاع و الأمن القومي الأمريكية الشهيرة " ليفنورث "
سنة ( 1975 ) ، و كان موضوع المؤتمر " مستقبل الصراع في الشرق الأوسط ". و أثناء إحدي مُداخلاته في مَسار المناقشة طَرَحَ الجنرال " ياريف " تقديراته مرة أخري في تَشبيه مُعَبر و حَي كأنه صورة مُلَونة ، فقد قال ما مُؤداه إن " السلام سوف يُداوي كل جراح الحروب السابقة بيننا و بين العرب. و صحيح أننا لجأنا إلي العنف مع المصريين أكثر من غيرهم ، و لكنكم تعرفون أنهم الطرف الأقوي و الأخطر ، و لقد كان أسلوبنا في الحرب مع العرب إذا أخذنا بفنون الصيد في البحر و تَنَوعها هو :

- في الشمال - مع سوريا و لبنان - كنا نصطاد بالشَبَكة - تحاول الإمساك بالسَمَكة دون أن تجرحها.

- أما في الجنوب - مع مصر - فلم يكن مأموناً أن نصطاد " الوحش " بالشَبَكَة ، و لذلك كان ضرورياً أن نستعمل الـ " هاربون " ( الرُمح أو الحَربة المُثَبت علي بندقية قاذفة الذي يُستَعمَل للصيد في الأعماق ، و هو يلحق جراحاً غائرة - و أحياناً قاتلة - بالسَمَك الكبير الذي يصيبه ). و الحقيقة أن التجاء الجنرال " ياريف " في التشبيه إلي فنون الصيد : الصيد بالشَبَكة أو الصيد بالحَربَة ( الـ " هاربون " ) - دقيق ، و هو قادر علي شرح الكثير من تصرفات اسرائيل علي الساحات السياسية و ميادين العَمل العسكري.

من كتاب : عام من الأزمات ( 2000-2001 ) محمد حسنين هيكل ، المصرية للنشر العربي و الدولي ، صفحة 335

السبت، ١١ أغسطس ٢٠٠٧

عبد المنعم رياض



كان " عبد المنعم رياض " طرازاً نادراً من العسكريين العرب ، فقد كانت له القدرة علي الرؤية الإستراتيجية ، و كان واحداً من قلائل يملكون الثقة في إمكانية الإنتصار في المعركة مع اسرائيل إذا إعطيت لها إمكانياتها و إختير توقيتها الملائم. و كان إيمانه بحتمية القتال لاسترداد الأرض ثابتاً ، و كان رأيه في ضرورة القتال يمتد إلي ما هو أبعد من المطلب العسكري ، إذا كان يعتبره قضية شرف حتي علي المستوي الفردي لكل مواطن ، و لم يكن يكف عن القول بأن ضرورة القتال أمر يتصل بكل رجل و كل أمرآة " في هذا البلد " ، و كان يقول " إننا لو خرجنا من هذه الأزمة بحل دبلوماسي حتي و إن كان مقبولاً ، فإن هذا البلد قد يتحول إلي مرتع للسماسرة بالنهار ، و مرتع للغواني بالليل ! " ربما كان تقديراً متعسفاً و لكن " عبد المنعم رياض " كان شديد الإقتناع به ، كما كان شديد الإقتناع بأن هناك إمكانيات قيادية لدي ضباط الجيش المصري لابد من إعطائها الفرصة ، " فالقادة العسكريون الكبار يصنعون ولا يولدون ، و الذي يصنعهم هو العلم و التجربة و الثقة و الفرصة ". و لم يكن في حديثه يكف عن لازمتين لم تغيبا قط عن لسانه :
  • العودة إلي سيناء حتمية.
  • ثم إن هناك الجبهة الشرقية ، و هي قائمة و يمكن أن تكون مؤثرة.

و كان " جمال عبد الناصر " يعتبر لأسباب كثيرة أن " عبد المنعم رياض " هو " قائد المعركة الكبيرة و المنتظرة ... و رجلها ".
و هكذا كان استشهاده صدمة حاول استيعابها ، و راح بعدها يتابع و يراقب و يفرز تصرفات القادة باحثاً عن رجل جديد للمعركة الكبيرة القادمة ، و في ذلك الوقت كانت تقديراته لها : ربيع سنة 1971

من كتاب : أكتوبر 73 السلاح و السياسة - محمد حسنين هيكل ، مركز الأهرام للترجمة و النشر 1993 ، صفحة 107

إقرأ عن عبد المنعم رياض علي الجزيرة - المعرفة - ملفات خاصة

شعر لنزار قباني من موقع دمشق أونلاين

نزار قباني

عبد المنعم رياض
في ذكرى رئيس الأركان المصري الذي استشهد على جبهة القتال في السويس 1969

لو يُقتَلونَ مثلما قُتلتْ..

لو يعرفونَ أن يموتوا.. مثلما فعلتْ

لو مدمنو الكلامِ في بلادنا

قد بذلوا نصفَ الذي بذلتْ

لو أنهم من خلفِ طاولاتهمْ

قد خرجوا.. كما خرجتَ أنتْ..

واحترقوا في لهبِ المجدِ، كما احترقتْ

لم يسقطِ المسيحُ مذبوحاً على ترابِ الناصرهْ

ولا استُبيحتْ تغلبٌ

وانكسرَ المناذرهْ…

لو قرأوا – يا سيّدي القائدَ – ما كتبتْ

لكنَّ من عرفتهمْ..

ظلّوا على الحالِ الذي عرفتْ..

يدخّنون، يسكرونَ، يقتلونَ الوقتْ

ويطعمونَ الشعبَ أوراقَ البلاغاتِ كما علِمتْ

وبعضهمْ.. يغوصُ في وحولهِ..

وبعضهمْ..

يغصُّ في بترولهِ..

وبعضهمْ..

قد أغلقَ البابَ على حريمهِ..

ومنتهى نضالهِ..

جاريةٌ في التختْ..

يا أشرفَ القتلى، على أجفاننا أزهرتْ

الخطوةُ الأولى إلى تحريرنا..

أنتَ بها بدأتْ..

يا أيّها الغارقُ في دمائهِ

جميعهم قد كذبوا.. وأنتَ قد صدقتْ

جميعهم قد هُزموا..

ووحدكَ انتصرتْ

مصراييم


يبدو من مجمل الوثائق أن " دافيد بن جوريون " مؤسس دولة اسرائيل و أول رئيس للوزارة فيها بعد الإعلان عن قيامها - كان مسكوناً طول الوقت ببلد اسمه " مصر " ( " مصراييم מצרים" كما كان ينطق و يكتب بالعبرية ) - و شعوره نحو هذا البلد لا يتغير ولا يتبدل و إن تأرجح بين القلق الشديد و الكراهية العميقة ، و هو يستذكر و يستعيد في إشارته إليه ما وَرَدَ في التوراة المتداولة في اسرائيل من نعوت و أوصاف تمس مصر و شعبها ، و هي نعوت و أوصاف متمادية في معظم الحالات إلي درجة الشتم المقذع و السَب !

و في تجربته هو - بعيداً عن " المأثورات التوراتية - فإن إشاراته إلي مصر تَرِد من أول لحظة ضمن تعبيرات من نوع " باشوية مصر " - أو " دولة الباشوات المصريين " ( و لعله أثر باق من فترة دراسته و إقامته في إستنبول ) - و لكن التَحَيُز يَبين حين يذهب إلي تعبيرات من نوع " الباشوات و خَدمهم من الفلاحين " أو " الأمراء الألبان و الشركس و عبيدهم من المصريين " ، و " شعب مصر هذا المزيج من الذل والإدعاء " !

و لم تكن مصر داخلة في حسابات " بن جوريون " اثناء تفكيره و تخطيطه لإقامة الدولة اليهودية في فلسطين ، فقد كان يراها مُلتَهِية بأمورها و مشغولة بعلاقاتها مع بريطانيا ، كما كان يري في أجزابها السياسية مجرد هياكل طبقية تحمي مصالح كبار مُلاك الأرض الزراعية ، و يري أكبر رجالها لعباً في يد مُتَمَولين أجانب ينهبون البلد و سوف يواصلون نهبه !

و حتي حين وضعت مصر توقيعها علي ميثاق جامعة الدول العربية ( سنة 1944 ) فقد كان رأي " بن جوريون " أن الجامعة العربية من أولها إلي آخرها " لعبة إنجليزية " - لكنه حين دعا الملك " فاروق " إلي أول مؤتمر عربي في " إنشاص " بدأ " بن جوريون " يراجع حساباته ، فهذا المؤتمر العربي الأول علي مستوي الملوك توافق مع مجئ مفتي القدس الحاج " أمين الحسيني " لاجئاً إلي مصر و مُحتمياً بالملكِ " فاروق ". ثم كان - ايضاً - أن تَوَافَقَ ظهور مفتي القدس و ضيوف " فاروق " من الملوك العرب في نفس الوقت و في نفس القصر - لكن " بن جوريون " أراح نفسه بأن سَجلَ باستخفاف أن ملكِ مصر " يلهو بأوهام أكبر من قدرته " سوف يعرف يوماً - و عما قريب - " أن كل هؤلاء الملوك و الرؤساء الذين جمعهم في قصره لا يُمَثلون أكثر من حِلف كراهية. يحقد أعضاؤه علي بعضهم قبل حقدهم علي أي طرَف خارجي ".

لكن " بن جوريون " راح يعتبر " لهو " الملكِ " فاروق " خطراً محتملاً عندما تَبَين له أن مصر سوف تشارك - رغم ما نقله إليه أصدقاء له من الأجانب و العرب ، و من اليهود المصريين ، عن معارضة قوية من مصر تُعارض اشتراكها في حرب محتملة في فلسطين إذا قامت فيها دولة يهودية.

كان " بن جوريون " مُطلعاً علي رسائل كتبها الحاخام الأكبر للطائفة اليهودية في مصر " حاييم ناحوم " أفندي. و لم يكن الحاخام الأكبر في مصر يكتب لـ " بن جوريون " لكنه كان يكتب لصديقه الدكتور " ماجنس " رئيس الجامعة العبرية في القدس. لكن الحاخام كان يُقَدِر ( و تقديره صحيح ) أن " بن جوريون " سوف يطلع بوسيلة ما علي ما يكتبه.

و كان " حاييم ناحوم " أفندي علي صلة بالملكِ " فاروق " و بكل رجال القصر الملكي ، و بعدد من الساسة المصريين من كل الأحزاب و الإتجاهات ، و كان مُقَرباً من أغلبهم خصوصاً و قد كان معارضاً للصهيونية و مشروعها ، لكن الرجل في النهاية كان مُنحازاً لأهله ، فإذا كانت هناك دولة يهودية علي وشك أن تقوم في فلسطين ، فليس أمام الحاخام مفر من تأييدها حتي لو جاءت خطواته بطيئة مُتثاقِلة ، علي عكس وكيله في مقر " الحاخامية " الذي كان داعية مُندَفِعاً إلي تأييد مشروع الدولة ، و يَعتَبِر مناصرة الحركة الصهيونية مُرادِفة للصلوت في المعابد و موازية لها في ممارسة العقيدة. و من المفارقات أن نائب الحاخام الأكبر في مصر كان اسمه " أوفاديا يوسف ".

.............................

.............................

[ و هو الآن الراعي الروحي و السياسي لحزب " شاس " الذي يملك سبعة عشر مِقعَداً في الكنيست الحالي ، و كان يشارك في ائتلاف حكومة " باراك " حتي خرج احتجاجاً علي مجرد طرح موضوع القدس للمناقشة في محادثات " كامب دافيد " الثانية في اجتماع " كلينتون " و " باراك " و " عرفات " خلال شهر يوليو الأخير سنة 2000 ، ثم كان هو القائل في مؤتمؤ صحفي منذ أسابيع أن العرب كلهم " جراد " و " بهائم " و " وحوش " لا يصح لاسرائيل أن تقترب منهم أو تتصل بهم أو تجتمع بأيِ منهم في مكان واحد ! ].

............................

............................

من كتاب : عام من الأزمات 2000-2001 - محمد حسنين هيكل ، المصرية للنشر العربي و الدولي ، الطبعة الخامسة ، صفحة
249

لا نحب من يصدمنا


نحن لا نحب الحقيقة. و إنما نحن نضطر إلي حبها. فالحقيقة التي تصدمك هي التي تصدك بعيداً عنها. وهي التي تفضحك أمام نفسك و أمام الناس. و لذلك فأحب الدعوات إلي الناس : الستر .. أي أن يظل مغطي بالملابس الثقيلة ، أو بالجدران الغليظة ، فلا يراه أحد علي حقيقته ..
فلو قلت لك مثلاً : إنه لا يوجد حب في هذه الدنيا. و حياتك كلها مصالح. عندك مصلحة فأنا أحبك و أموت فيك. انتهت المصلحة فلا أحب أن أري وجهك و لا أسمع صوتك .. إذا رأيتك فكأنني لا أراك .. لأنني إذا أبديت اهتماماً غير عادي بك ، كأن معني ذلك أنني أحمل لك إمتناناً خاصاً .. و أنا لا أحب أن أكون ممتناً لأحد .. و لذلك لا أحب أن أراك و إذا رأيتك فلا أحب أن أتذكر أنك خدمتني .. فأسهل حل هو ألا أراك .. أو كأنني لا أراك !
و الحكمة تقول : إتق شر من أحسنت إليه .. و هي صحيحة !
فهل تحب أن أستمر في هذا المعني و أضرب لك أمثلة من حياتي و حياتك .. أو أطلب إليك أن تتذكر ما الذي حدث لك مع أولادك و زوجتك و أصدقائك و زملائك.
أنت تعرف مثلي تماماً. و لكن لا نحب أن يصدمك أحد في زوجتك و أخواتك و أولادك ، لأن هذه الصدمة ستؤدي إلي إختفاء وهم جميل أنت تعيش فيه .. و أنت تفضل الأكذوبة الجميلة علي الحقيقة الجافة.
فلو قلت لك بلغة الكرة : إن كل الذين حولك يتربصون بك .. ينتظرون يوم تقع من فوق مقعدك أو من فوق سريرك .. فالجميع بلغة الكرة " يسخنون " أنفسهم لكي ينقضوا عليك. و هي حقيقة و لكنك لا تحب ذلك. فوراءك طابور طويل ينتظر اليوم الذي تختفي فيه .. هل أكمل كلامي أم أنك لم تعد قادراً علي أن تقرأ ما هو أكثر؟ سوف أكمل كلامي .. أن الذي تسمعه يقال عن رؤسائك و عن الأباء و الأغنياء و نصف الأغنياء الآخرين ، هو بالضبط الذي يقال وراءك و لكنك لا تسمع ولا تري .. فالإنسان هو هو .. سواء كان ابناً أو أخاً أو زوجة أو أماً .. هو هو .. إنها صدمة لك .. هذا صحيح.
و لكن هذا هو حال الدنيا : الناس لهم أنياب و أظافر و أعماقهم في لون شوارع زمان عندما كان الزفت يغطيها ناعماً لامعاً - إنها الحقيقة ناصعة السواد !

من كتاب : وأخرتها ؟! - أنيس منصور ، نهضة مصر إصدار 2006 صفحة 121

الجمعة، ١٠ أغسطس ٢٠٠٧

مصطفي كامل


لا أريد أن أطيل القول في مصطفي كامل ، فحياته معروفة مشهورة .. و لكني أقول موجزاً:
أن مصطفي كامل كان شعاره الوطنية ، ووسيلته الوطنية ، وغرضه الوطنية ، و كلماته الوطنية ، و كتابته الوطنية ، و حياته الوطنية ، حتي لبسها و لبسته ، فصار بينهما التلازم الذهني و العرفي. فإذا ذكرت مصطفي كامل بخير ، فانما تطري الوطنية. و إذا قلت الوطنية فأن أول ما يتمثل لك في خيالك شخص مصطفي كامل .. كأنما هو و الوطنية شئ واحد ..!
و لقد تمثل ذلك في يوم وفاته في هذه المظاهرة التي لم تعرف لها في ذلك الزمان مثيلاً ، فقد اشترك جميع أفراد الأمة في أمر واحد ، علي رأي واحد ، بصورة واحدة مع اختلافهم في ما عداه..
كل هذا دل علي أن الشعور الذي قادهم ليس مذهباً سياسياً ، و لا طريقة من طرائق المنازعة السياسية ، بل هو أعلي من ذلك .. هو التضامن القومي ، و الجامعة الوطنية.
إن مصطفي كامل كان تمثال الوطنية .. و لقد دعوت في اليوم التالي لوفاته علي صفحات الجريدة إلي إقامة تمثال له يشهد بالاعتداد بفضله في عمله ، و تخليداً لذكراه ، و اعترافاً من الأمة لكل عامل يقف نفسه علي خدمتها ، و تجسد لهذه الروح الطاهرة و قد شاعت هذه الفكرة بين جميع الطبقات ، و فتحنا الاكتتاب علي صفحات " الجريدة " و تكلفنا بالقيام بهذا العمل ، و لو أننا لم نكن حزبه السياسي ، لأن مصطفي كان مصرياً لجميع المصريين.

من كتاب : أحمد لطفي السيد - قصة حياتي - الهيئة المصرية العامة للكتاب ( مهرجان القراءة للجميع - 1998 )صفحة 95

من أقواله المأثورة

  • لو لم أكن مصرياً لوددت أن أكون مصرياً.
  • أحراراً في أوطاننا، كرماءاً مع ضيوفنا.
  • الأمل هو دليل الحياة والطريق إلى الحرية.
  • لا معني لليأس مع الحياة ولا معني للحياة مع اليأس.
  • إني أعتقد أن التعليم بلا تربية عديم الفائدة.
إقرأ عن مصطفي كامل علي الويكيبيديا