السبت، ٢٢ سبتمبر ٢٠٠٧

حرب العاشر من رمضان


كل ما رآه أمام عينيه ( الرئيس السادات ) أثناء وجوده في مركز القيادة رقم " 10 " و بعد خروجه منه - تجربة أسطورية - و كان يمكن رد ما بدا أسطورياً إلى أسباب عقلانية و علمية :

*** أولها - أنه كان هناك وطن و أمة وقعا معاً تحت ضغوط هائلة وصلت إلى تفجير النواة الداخلية الصلبة لمعدن الوطن و الأمة ، و بالتالي فإن طاقة يصعب تصورها أفلتت من عقالها و اندفعت شحناتها - كما يحدث في أي تفجير نووي - تهاجم ذرات آخرى و تكسرها و تطلق شحناتها ، ثم تصل قوة الفعل المضاعف ، و ردود الفعل المتصلة - إلى خلق قوة جبارة لم يكن أحد يتخيل وجودها في نواة ذرة.

*** و ثانيها - أن التجارب المريرة السابقة - و على قمتها تجربة سنة 1967 - علمت كثيرين و بالذات في القوات المسلحة المصرية أن العِلم ، و التخطيط على أساسه ، هما وسيلة العصر لتحقيق أي هدف. و هكذا فإن عملية إعادة البناء التي بدأت مباشرة غداة نكسة 1967 - استطاعت أن تخلق حقائق جديدة من مقدرة الفكر و التحضير و الفعل ، و بالتالي امتلكت القوات المسلحة كفاءة تمكنت بها من إحداث نقلة نوعية في أساليب أدائها بالسلاح أمام عدوها.

*** و ثالثها - أن الكم الإنساني ( جيش المليون ) - استطاع أن يوفر لنفسه حجماً من الكيف ( كان في جيش المليون قرابة مائة ألف من حملة الشهادات المتوسطة و العليا ) له وزن أضيف إلى إرادة و مقدرة الفعل ، و كانت نتيجة تلاحم العنصرين معاً : عنصر الكم ، و عنصر الكيف - تحقيق ما يمكن وصفه بأنه معجزة.
و لقد أثارت هذه المعجزة على سبيل المثال اهتمام و فضول الكثيرين ، بينهم لجنة القوات المسلحة في الكونجرس الأمريكي ، و قد قصدت مصر و العمليات لم تتوقف بعد رغم نصائح لها من واشنطن بالانتظار - و كانت لهفة أعضائها أنهم يريدون التقصي عن أسباب مالم يتوقعه أحد!
و حين جاءوا و رأوا و عادوا ليكتبوا تقريرهم كانت آراؤهم :

أ - أن اقتحام خط " بارليف " سنة 1973 عمل عسكري لا يقل في أهميته عن سقوط خط " ماجينو " الفرنسي سنة 1940 .
ب - أن هناك نقلة بشرية كبيرة في نوعية المقاتلين العرب تختلف بها هذه الحرب عن أي حرب آخرى خاضوها من قبل.
جـ - أن التخطيط المصري للمعارك كان على كفاءة عالية ، و قد تمكن من تجاوز أسباب التفوق الإسرائيلي التقليدية. و كانت لإسرائيل ثلاثة عناصر من التفوق :

* تفوق في الطيران: و قد ألغته مصر باستعمال الصواريخ الصغيرة المضادة للطائرات من طراز سام ( للإرتفاعات العالية ) - و من طراز ستريللا ( للإرتفاعات المنخفضة ).
* تفوق في المدرعات : و قد ألغته مصر بالتوسع في الصواريخ أيضاً من طراز مولوتكا.
* تفوق في نظام التعبئة العامة : و قد ألغته مصر بعنصر المفاجأة من ناحية ، و بالتخطيط للحرب على جبهتين في وقت واحد : الجبهة المصرية ، و الجبهة السورية - من ناحية آخرى.

د - أن مصر لم تكن تملك بصفة عامة أسلحة جديدة متقدمة تم استعمالها مفاجأة ، لكنها في هذه النقطة استطاعت أن تجد وسيلة مبتكرة ، و تلك أنها استعاضت عن تقدم السلاح ، بسياسة التوسع في نشره. و قد ذكر تقرير اللجنة أن الجبهة المصرية شهدت انتشاراً للأسلحة وصفته اللجنة بأنه astounding ( أي مذهل ) - أي أن الكميات التي استعملت منه كانت غير مسبوقة ، فأمام هجمات الطائرات كانت هناك آلاف مؤلفة من صواريخ ستريللا ، و أمام زحف المدرعات كانت هناك آلاف مؤلفة من صواريخ مولونكا.
وقد لاحظت لجنة الكونجرس أن التوسع المذهل في نشر الصواريخ على الجبهة المصرية لم يكن مكلفاً فوق الطاقة ، و ضربت اللجنة لذلك مثلاً خلاصته أن الصاروخ السوفيتي المضاد للدبابات كان ثمنه 1000 دولار ، في حين أن الصاروخ الأمريكي الذي يؤدي نفس مهمته كان ثمنه 100000 دولار.

هـ - ومع ذلك فقد كان لدى القوات المصرية نوع من الكيف لاشك فيه ، و من نماذجه ما اشارت إله لجنة الكونجرس من أن الصاروخ من طراز " سام 6 " لم يقدم لفيتنام ، و لكنه قدم لمصر. و أن الدبابات من طراز " ت 62 " لم تكن دخلت إلى الخدمة في قوات حلف وارسو - و مع ذلك كانت عاملة مع السلاح المصري سنة 1973 .

*** و رابعها - أن اسرائيل - لأول مرة في حياتها - فوجئت بعمل عربي أخذ في يده زمام المبادأة ، وكان أكبر عون له هو الغرور الاسرائيلي الذي تزايد بعد سنة 1967 ، و وصل إلى درجة قاتلة حين أصبح التفكير و التخطيط الاسرائيلي قائمين على أسس جامدة رغم الشواهد - فقد ظلوا إلى آخر لحظة متجمدين عند قناعة " أن العرب لا يملكون خياراً عسكرياً قط " .

*** و خامسها - أن القوات المصرية كانت لأول مرة في عملية تستهدف تحرير أرضها ، و قد طالت معرفتها و ألفتها مع الخطة خدمة و تدريباً ومناورة على عملية التحرير التي أخذت هذا الاسم الرمزي أثناء المناورات فعلاً ، فأصبح هناك مشروع " تحرير 1 " و " تحرير 2 " و " تحرير 3 " و هكذا ..

و حين جاءت اللحظة لعملية التحرير الفعلية فإن القوات لم تتقدم فقط لتحرير الأرض - و إنما تقدمت إلى عملية عاشتها و تآلفت معها طوال تجارب طويلة ، و هكذا فإنه حين جاءت تجربة الحقيقة ، فإن الشباب و الرجال قاموا بها و كأنهم يقومون بعملية تدريب آخرى ( على حد تعبير الفريق " أحمد اسماعيل " ).

*** و سادسها - أن التفجير الذري الذي جرى في أعماق الشعب المصري و أطلق شحناته الهائلة ، كان له مثيله فيما حدث لشعوب عربية آخرى. و قد كان هناك ما جعل الملك " فيصل " على سبيل المثال يلوح مبكراً بإمكانية استخدام البترول. بل و قد كان هناك شئ قريب الشبة بذلك في موقف الإتحاد السوفيتي نفسه في تلك الفترة. ذلك إن كثرة الإلحاح عليه دفعته على نحو ما إلى أن يستجيب و لو بالكم ، مما أحدث فارقاً هائلاً في تركيز و كثافة النيران.

و على سبيل المثال فإن قرار مصر بالحرب سنة 1973 - كان يقضي باستعمال كل " الوسائل المتاحة لدى الجيش المصري في عمل عسكري لعبور القناة " ، و كان هذا هو نفس التعبير الذي استعمله في ربيع سنة 1971 حينما كان الفريق " محمد فوزي " وزيراً للحربية و قائداً عاماً للقوات المسلحة - لكن الفارق بين حجم السلاح في ربيع سنة 1971 و حجمه في خريف سنة 1973 - كان بنسبة الضعف تقريباً في حجم النيران.

معنى ذلك أنه كان هناك عوامل موضوعية يمكن لها أن تفسر المعجزة ، لكن الإحساس بالمعجزة نفسها - بعيداً عن اسبابها - كان هو العنصر الطاغي على المشاعر في تلك الليلة الحاسمة - ليلة 6 - 7 أكتوبر 1973 .

*** و سابعها - أن الرأي العام العالمي ضاق ذرعاً بالعناد الاسرائيلي المُصمم على عدم الانسحاب من الأراضي المحتلة اعتماداً على أن العرب لن يحاربوا ، و ذلك خلق جواً مواتياً لتقبل العمل العربي حينما حان آوانه !

من كتاب : أكتوبر 73 السلاح و السياسة - محمد حسنين هيكل - مركز الأهرام للترجمة و النشر ، الطبعة الأولى 1993 ، صفحة 353

الجمعة، ٢١ سبتمبر ٢٠٠٧

المرأة البربرية


و يقتصر البربريُّ على زوجة واحدة ، و لا تتمتع المرأة البربرية بأكثرَ مما تتمتع به الأوروبيات من الحقوق ، و إن كانت في وِصايةٍ أقلَّ مما هُنَّ فيه.

و المرأةُ البربرية على جانبِ كبير من الحَمِيَّة ، و هي تحارب بجانب زوجها أحياناً ، و خَلدَ أُومِيرُس ذكرَها حين تَغَنى بخَبر تلك المَلِكة و النسوةِ المُتَرَجِّلات اللائي فَتَحْنَ بلاد لوبية و بعضَ آسيا الصغرى.

و من النساء البربريات من جَلَسْنَ على عرش المُلْك ، و يدلَ هذا الأمر ، الذي يَنْفِر منه العرب كثيراً ، على تباينهما في النظر إلى بعض الشئون.

و لَقِي العرب الأَمَرِّيْن في دور فتوحهم ، و ذلك من مقاومة المَلِكة البربرية الكاهنة التي أَلَّفَت بين كثير من قبائل البربر و تَسَلَّمَت القيادة و قاتلت العربَ و كُتِب لها النصر في المعركة الأولى و هَزَمَت العرب و استولت على جميع شمال إفريقية ، و لَمَّا عاود العرب الكَرَّةَ بجيش عَرَمْرَم عزمت الكاهنة على تخريب البلاد لمنعهم من فتحها ثانيةً ، فهَدَمَت جميع القُرَى التي كانت بين طرابلس الغرب و طنجة ، و كاد مصير شعب هذه السيدة ، التي ألقت الرُّعْب في قلوب العرب و الروم ، يكون غيرَ ما حدث لو لم تُقْتَل في إحدى المعارك.

من كتاب : حضارة العرب - غوستاف لوبون ، ترجمة عادل زعيتر - مهرجان القراءة للجميع ، مكتبة الأسرة 2000 ، صفحة 248

الاثنين، ١٧ سبتمبر ٢٠٠٧

قلعة شاه جهان


قصر المغول في دلهي ، أو قلعة شاهجهان*. - تمَّ بناء هذا القصر ، الذي أنشأه شاهجهان ، في سنة ( 1058 هـ - 1648 م ) و هذا القصرُ هو أجمل القصور الإسلامية التي أقيمت في بلاد الهند و فارس ، و ما في رِداهه من الفُسَيْفِساء يَجعْلُها قِطَعاً من الحُلِيِّ.

و لم يَنَل هذا القصر الشهير ( الذي هو من أعجب ما شاده البشر ، و الذي ضَنَّ به البرابرة الذين دَوَّخوا دلهي غيرَ مرة و نهبوها فلم يُخَرِّبوه ) من الإِنكليز ما يستحقُّ من العناية ، فقد هدموا جميعَ أجزائه التي رَأَوْا أنهم لا ينتفعون بها و أقاموا في مكانها و من أنقاضها ثُكَناً ، و لم يحترموا سوى الرِّدَاه التي رأوْا فيها بعضَ النفع لهم ، و ذلك مع علمنا أن الإِنكليز ، الذي حَسَبُوا مُقَدَّماً نفقةَ تنظيف تلك الرِّداه من فُسَيفِسائها و زخارفها الجميلة عند تحويلها إلى اسطبلات و مراقدَ للجنود ، لم يَرَوْا للخلاص من تلك النفقة ما هو أسهل من تكليسها ، فسَخِط العالَم على هذا العمل الهمجيِّ الذي تَحْمَرُّ منه وجوه وحوش البرابرة خجلاً فاضْطُرَّ الإنكليز إلى كَشْط ما جَنَتْ أيديهم من عمل حقير ، و ما أبقاه الإنكليز من ذلك القصر يكفي ، مع ذلك ، لبيان ما كانت عليه حالُه قبل أن تُصِيبَه يدُهم الهَدَّامة و يمكن القارئ أن يتمثله بسهولةٍ عند نظره إلى الصورة التي نشرناها في هذا الكتاب ( حضارة العرب ) عن إحدى رِداهه.

قال مسيو روسله : " إن أبَّهة داخل هذا لقصر مما لم تسمعه أذن ، فقد زُيِّنَتْ أساطينه و حناياه و أُطُرُقُبتَّه بالنقوش العربية العجيبة التي رُسَمِت بالحجارة الكريمة المرصعة في الرُّخام ، و تَهَب الشمْس وقتما تُلْقي أشعتها على فُسيْفِساء ذلك القصر من خلال حناياه ، الحياةَ لطاقاتِ زهوره المصنوعة من اللازَوَرد و العقيق و اليَصْب و ما لا يُحْصَى من أنواع الحجارة الثمينة ".
-----------------------------------
* شاهجهان كلمة مكونة من شاه + جهان ؛ شاه يعني ملك و جهان تعني العالم أو الدنيا. و لذلك فإن معنى الكلمة هو ملك الدنيا أو ملك العالم.

من كتاب : حضارة العرب - غوستاف لوبون ، ترجمة عادل زعيتر - مهرجان القراءة للجميع ، مكتبة الأسرة 2000 ، صفحة 200

الأحد، ١٦ سبتمبر ٢٠٠٧

القاهرة


مصرُ هي البلاد الوحيدة التي ترَى فيها المباني العربيةُ القائمة منذ الدَّوْر الإسلامي الأول ، و التي يمكن الباحث أن يَدْرُس فيها تحوُّل فَنِّ العمارة العربيِّ في مختلف الأدوار.

و إذْ كان جميع تلك المباني العربية القديمة القائمة هو من المساجد على وجه التقريب ، كان أهَمُّها في القاهرة ، كان من السهل درسُها.

و ظَلَّت مدينة القاهرة ، و إن شئت فقل أقسامها البعيدة عن الأوروبيين على الأقل ، عربية تماماً ، و لنا بحالها الحاضرة ، فكرةٌ عما كانت عليه في عصر الخلفاء.

و الناظر إلى القاهرة من بعيدٍ يراها ذاتَ طابع شرقيّ يستوقف النظر ، أي يراها ذاتَ طابعٍ لا يُشَاهَدُ مثلُه في أيةِ مدينة آخرى على ما يحتمل ، فهي مؤلفةٌ من بيوت بيض ذواتِ سقوف مستوية يُشْرِف عليها مئاتٌ المآذن الهِيفِ منفصلةٌ عن النخل ارتفاعاً ، و تسحر القاهرة من ينظر إليها من أعلى القلعة ، و لا أعلم مدينةً تَسْحَر القلوب بمنظرها كالقاهرة.

و شوارعُ القاهرة ضيقةٌ مُتَلَوِّيَةٌ غير منتظمة كشوارع كلِّ مدينة شرقية ، و تكاد أطنافُ نوافذِ البيوت في أحياء مصر القديمة ، على الخصوص ، تَتَمَاسُّ ، و الحكمةُ من ضيق تلك الشوارع هي الاستكثار من الظلِّ و استبقاء الرطوبة ، و من يَقْطَع شوارعَ القاهرة و ميادينها الكبيرة التي أنشئت على النمَّط الأوربيِّ تحت وَهَج الشمس يَعْلَمْ سِرَّ تفضيل الناس ، في مثل ذلك الجوِّ ، للشوارع الضيقة المملوءة على الشوارع الواسعة التي تُلْهبها نارُ الشمس على الدوام.

و يستوقف تَزَاحُمُ الأقدام في شوارع القاهرة نظرَ السياح في كلِّ حين ، و يُغْري منظرُها النفوسَ مع زيارة دمشق ، فقد قضينا ساعاتِ كثيرة في تَأَمُّلها.

قال الدكتور إيزانبر : " يُرَى ، في الجمهور الأنْمر ( فيه الأبيض و فيه الأسود ) المتزاحم ، الفلاحُ المتواضع ، و البدويُّ المتبختر ، و القبطيُّ أو اليهوديُّ العبوس ، و اليونانيُّ النشيط اليَقِظ ، و القَوَّاس الألباني الثقيل المُتَزَيِّدُ ، و أصنافُ الزنوج الذين تَتَرَجَّح ألوانهم بين الأبنوسيِّ الخاصِّ بالسُّودانيِّ و اللَّمَعان الخاصِّ بالبربريِّ ، و يتألف منظرٌ لا يَمَلُّ منه الأجنبيُّ من القوافل الآتية من نواحي إفريقية و جزيرة العرب ، و من الجمال الوَئيدَة المَشْي المُتَّزِنَة الخُطا ، ومن الحمير السريعة الخَطْو التي يَرْكَبها صِغارُ السادة من الشرقيين أو النساء المُتَحَجِّباتُ بأزُرٍ قاتمة ، و من الباشوات الذين يَمْتَطُون بملابسهم الرسمية صَهْوَة الخيل ، و من السَّقَائين الذين يَحْمِلُون أسْقِيَةً جِلْدِيَّة لَزِجة ، ومن أنواع الحمَّالين ، و من السُّوَّاس الصَّخَّابين الذين يَضرِبون العربيَّ البليدَ بسياطهم ، و من الفَلاَّحات البائسات المُتَبَاطِات ".

أنْشِئَتْ مدينة القاهرة سنة ( 359 هـ - 970 م )، و هي تَضمُّ مدينةَ الفسْطاط القديمة التي أقامها عمرو بن العاص فقامت مقامها ، و عادت مدينةُ الفُسْطَاط لا تكون اليومَ إلا ضاحيةً لتلك المدينة تُعْرَف الآن باسم مصرَ القديمةِ ، و إن كانت مدينة عمرة بن العاص هذه لم تَحْمل سابقاً هذا الاسمَ غيرَ المطابق للأصل.

و تَمَّ إنشاء القاهرة بعد أن وُضِع حجرُها الأول بثلاث سنين ، و أنفق الفاطميون جزءاً كبيراً من دَخْلهم الواسع على تجميلها و زخرفتها ، و لم يَأْل كلُّ عاهلٍ جُهْداً في أن يَسْبِقَ سلفَه في ذلك ، ثم سار المماليك الذين حَلّوا محل الخلفاء العرب على غرَار هؤلاء في تزيين القاهرة ، و لم ينقطع أمر عُمْرَانها إلا بعد أن أصبحت ولايةٍ تركية ، فقد أهملها الترك فضلاً عن عدم زخرفتها لها ، و اليوم تَتَدَرَّج مبانيها المهمة إلى الخراب ، و صار يُخْشَى زوالها في المستقبل لعدم إصلاحها ، و قد قال لي أحدُ عِيَلة القوم في مصر : إني أصبت في زيارتي لتلك المباني ، فقد لا يبقي منها شئٌ يستحقُّ المشاهدة بعد سنين قليلة.

من كتاب : حضارة العرب - غوستاف لوبون ، ترجمة عادل زعيتر - مهرجان القراءة للجميع ، مكتبة الأسرة 2000 ، صفحة 225

الخميس، ١٣ سبتمبر ٢٠٠٧

الأربعاء، ١٢ سبتمبر ٢٠٠٧

من أجل الحرية


و أن يُقال في هذا السياق على سبيل المثال ، أن الشعب الجزائري قد استخدم - في الصراع الذي خاضه ضد فرنسا لمدة ثماني سنوات من أجل التحرير - الحرب كامتداد للمصالح السياسية لهو قول ينطوي في الواقع على مغالطة كبيرة ، فذلك يشكل خلطاً بين السياسة و الهوية المستقلة للأمة ، بل و وجودها ذاته. إن حجم الأداة أو الوسيلة في مثل هذه الحالة يتضخم حتى يتساوى مع الغاية التي تخدمها ، و بالتالي تفقد معناها و الصحيح الذي ينبغي أن يقال هو أن الدولة الفرنسية - و قد ضمنت أن البحر المتوسط يكفل لها الأمان - هي التي قاتلت فيما بين 1954 و 1962 من أجل أغراض سياسية قد تتمثل في استمرار فرض الهيمنة ، أو حماية المستعمرات الأوروبية أو الوصول إلى بترول منطقة الصحراء ، أو الحفاظ على مكانتها كدولة عظمى ( وكانت مثل تلك المكانة ما زالت مرتبطة بشكل وثيق بامتلاك المستعمرات ) أما الشعب الجزائري " فلم يكن " يحارب من أجل مصالحه ، بل لم تكن له حتى حكومة قادرة على مجرد تحديد تلك المصالح. و لو كانت هناك مصالح ، بمعنى ما يعود بالنفع على الجزائريين كأفراد ، هي مربط الفرس لآثر معظمهم و عمل خيراً أن يمكث في داره ليرعى شئونه الخاصة ، و لو كانت جبهة التحرير قد حفزت الشعب على القتال من أجل نوع من " السياسة " لما حصلت حتى على نسبة من المساندة التي حظيت بها رغم كل ما كانت تفعله فرنسا و ما كان يمكن أن تفعله.

ولسنا هنا بصدد الحديث عن علم دلالات الألفاظ ، و لكننا نقول أن استخدام اللغة الاستراتيجية و التفكير في " أهداف سياسية " ، كما لو كانت شيئاً ينطبق على الفرنسيين و الجزائريين على حد سواء ، هو بمثابة خلط للأمور بلا مبرر ، بل يطمس المعاني الحقيقية للنصر و الهزيمة.
ومن منطلق أن الحكومة الفرنسية كانت تقاتل من أجل ما كانت تعتبره مصالحها السياسية ، فقد كانت الحرب بالنسبة لها مسألة حسابية قدرت فيها النفقات و الأرباح ، بغض النظر عن مدى دقتها و مدى صوابها ، ثم " عينت " القوات التي ستشترك فيها ثم " استخدمتها " لقمع " التمرد ".
و تقدر الخسائر الفرنسية في الواقع بـ 22 ألف قتيل من العسكريين و حوالي ثلاثة آلاف من المدنيين ، و هو رقم لا يقارن حتى بعدد من لقوا مصرعهم في حوادث المرور العادية على مدى فترة الحرب ! و على أي الأحوال فقد انتهى الأمر بالفرنسيين إلى الإعتراف بخطئهم و ادركوا أن ثمن الاحتفاظ بالمستعمرة يفوق أي مكسب متوقع. و يتضح من ذلك أن المنطق الذي شنت به الحرب كان هو نفسه السبب في الاستسلام : بمعنى آخر ، فلقد خسرت فرنسا لأنها على وجه التحديد خاضت الحرب بوصفها امتداداً للسياسة و لكن بوسائل آخرى.

أما على الجبهة الجزائرية فقد كان الوضع مختلفاً تمام الاختلاف ، و كلما طال آمد النزاع بدا ذلك أوضح. فلم يدخل الشعب المنضوي تحت لواء جبهة التحرير الجزائري في أي حسابات تكاليف أو أرباح ، و لو كان قد فعل ذلك لما كان بدأ القتال من أساسه. و كان القتال من أجل البقاء مثلما فعل الشعب سيكلفه عدداً لا حصر له من العقوبات ، و قد بلغت الخسائر البشرية الجزائرية ، بعد انتهاء الحرب عدداً يتراوح بين 300 ألف و مليون قتيل ، من مجموع لا يتجاوز ثلث تعداد فرنسا. و الأهم من ذلك ان حساب النفقات و الأرباح انطبق معهم بطريقة عكسية : فكلما زاد حجم المعاناة و الدمار قل حجم ما يخشى الجزائريون أن يخسروه ، و بالتالي ازدادوا اصراراً على ألا يذهب ذلك النضال سدى. و بما أن الفرنسيين كانوا أسرى الفكر الاستراتيجي التقليدي ، شأنهم في ذلك شأن أمم " منطقية " كثيرة سبقتهم و تلتهم ، فقد استغرق الأمر وقتاً طويلاً لفهم هذه الحقائق. و عندما استوعبوا ما يجري و أدركوا أن كل فرد ، رجلاً كان أو امرآة ، يُقتل على الجانب الجزائري انما يشكل سبباً جديداً لمواصلة لقتال ، انتهي بهم الأمر إلى الاستسلام.

من كتاب : حرب المستقبل - مارتن فان كريفلد ، ترجمة : د. السيد عطا - مهرجان القراءة للجميع ، مكتبة الأسرة 1999 ، صفحة 174

الجمعة، ٧ سبتمبر ٢٠٠٧

الجزائريون

و لم يكن العربيّ الجزائري غير مُوَلَّدٍ بالحقيقة و نري فيه أحطَّ صفات المولدين ( ... ) ، و حَضَريُّو العرب من سكان مدن الجزائر نتيجة تمازج تلك الأمم ، و قد حَطَّتهم سيطرة الأجنبيّ المتتابعة ، و أعرابُهم مُتَمَرِّدون على كل حضارة كأهل البدو في كل قطر ، و هم أقل تمازجاً و انحطاطاً ( ... ) من حضريي العرب.

و يُجْمِع أولئك الحضريون و الأعراب على مَقْت الأوروبيين القاهرين لهم و حقدِهم الشديد عليهم ، و يُضَحِّي الجزائريَُ ، الذي نَصِفه بالخلي المُتَرَدِّ المِكْسال القانع الوضيع المُتَزَيِّد ( ... ) ، بماله و نفسه ، و يشترك في كل عصيان و تمرد ، للخلاص من حكم الأجنبيّ الذي فتح بلاده ، و قد تَمَُ إبادةُ عرب الجزائر بوسائلَ منتظمةٍ كالتي اتخذها الأمريكيون لإبادة أصحاب الجلود الحُمر ، و لكن الذي أعتقده هو أن الفرنسيّ لن يستطيع حملَ الجزائريِّ على التفرنس ، و أن من المتعذر أن يسود السلام في قطرٍ واحد بين العرب و الفرنسيين الذين ينتسبون إلى عرقين مختلفين ، و قد سمعت هذا الرأي ، الذي يُجتْنَب تدوينه في الكتب عادةً ، من جميع أولي البصائر في الجزائر ، و إني أوافق عليه موافقة تامة.

من كتاب :
حضارة العرب - غوستاف لوبون ، ترجمة عادل زعيتر - مهرجان القراءة للجميع ، مكتبة الأسرة 2000 ، صفحة 83

وَجب علي التنويه بأن الكاتب غوستاف لوبون فرنسي و هذا يفسر تحامله الشديد على الجزائريين.

الوهابيون


و الوهابيون ، الذين هم أكثر نشاطاً من العرب الآخرين و أقلُّ اندفاعاً وراء عوامل الزمن ، أشدُّ العرب مكراً و غَيْرَةً ، قال بلغريف في وصف الوهابيين :

" يقل الوهابيون عن العرب الآخرين كرماً و إقداماً و مَرَحاً و صراحةً ، و يزيدون عليهم صبراً و حِكمَةً ، و يندر أن يَدُلَّ كلامهم على سرائرهم ، و هم حَزَمَةٌ بعيدو الهمة جبابرةٌ ذوو انتقام ، قُسَاةٌ نحو أعدائهم ، مشكوكٌ في مودتهم لغير بني قومهم ، و لذا فهم جديرون بأن يُسَمَّوا ، من غير تجَنٍّ و مع كل تحفظ ، بإسكتلنديي جزيرة العرب.

ووجوهُهم ذات صُلُود و عُبُوس مما لا يُرَى مِثْلُه في وجوه عرب الشمال الطليقة ، و لا يُؤْخذون بدوافع الساعة العتيدة ، و إذا ما ساروا فبعد تفكير و إنعام نظر."

" و يَقْدِرون بإرادتهم القوية و ثباتهم و جَلَدهم على تنظيم شؤونهم الاجتماعية و السيطرة على جيرانهم مع ما فيهم من الذكاء المحدود ، و لا ريب في أنهم سينتصرون ، بفضل اتحادهم المتين ، على أعدائهم الذين أضعفهم انقسامهم ، و أن سيادة القسم الأعظم من جزيرة العرب ستكون لدولتهم الوهابية و أن أطماعهم و آمالهم ستتحقق في أقرب وقت. "

" و تتجلى أخلاقهم في أدقِّ شؤون حياتهم الأهلية ، و يجب على من يرغب في مفاوضتهم ألا يسترسل في كلامه و أن يَزِن حركاتِه كما يفعل عندما يحادث أعداءه ".

من كتاب : حضارة العرب - غوستاف لوبون ، ترجمة عادل زعيتر - مهرجان القراءة للجميع ، مكتبة الأسرة 2000 ، صفحة 78

الاثنين، ٣ سبتمبر ٢٠٠٧

عرب تحت الإحتلال

يسير المستوطنون في الضفة الغربية و هم مدججون بالسلاح ، و يعترضون طريق المارة العرب ليطلبوا منهم بطاقات الهوية ، و كثيراً ما يحلو لهم اقتحام بيوت العرب لتهديدهم ، و أحياناً ما يدمرون المحاصيل ، أو ينسفون المنازل لإجبار العرب على ترك الديار ، و لكن السلطات الاسرائيلية تقول إن هذه الممارسات تقوم بها قلة من المتطرفين.
و ينتقي الإسرائيليون غالباً صغار السن لإذلالهم ، و أحياناً ما يعترض الجنود طريق التلاميذ الخارجين من المدارس و يعتدون عليهم بالضرب ، أو يأمرون مجموعة منهم بكنس الشوارع بقمصانهم ، أو يصحبونهم إلى معسكراتهم لتنظيف المراحيض ، و أحياناً آخرى يتعمدون احتجازهم أيام الامتحانات حتى يرسبوا ، فهم يكرهون العرب المتعلمين ، و ينسون أن كل تلميذ عربي أُهين يُصبح ثمرة ناضجة تجندها منظمة التحرير الفلسطينية.
و في فبراير عام 1981 أصدرت الجمعية الاسرائيلية لحقوق الإنسان تقريراً حول معاملة العرب في الضفة الغربية ذكرت فيه أن جنود الإحتلال الاسرائيلي الذين وصلوا إلى مدينة الخليل تلقوا دورة تدريبية حول كيفية معاملة العرب ، و قال لهم المُحاضر : " إن العرب ليسوا بشراً و يجب معاملتهم كالحيوانات ، و أنهم يحبون الضرب و الإذلال ، و أنه في حالة دخول أحد المنازل العربية للتفتيش يجب ضرب الأب أمام أفراد أسرته و خاصة الأطفال حتى يشعر بالذل هذا إذا حاول المقاومة
و لكن إذا استعطفنا الأب أمام أطفاله فيكتفى بصفعه على وجهه لطمة أو لطمتين ، و لا بأس من بعض الضربات الخفيفة على جسده ، و في حالة ظهور رب الأسرة بمظهر التغطرس أو الإعتداء فيتم تحطيم بعض آثاث المنزل مثل فراش الزوجة أو جهاز التلفزيون مع سكب الزيت على الأرض ، و إلقاء المواد الغذائية في صندوق القمامة " ، و أشار هذا التقرير إلى أن بعض الضباط فضل الهجرة إلى خارج اسرائيل بعد أن أكمل خدمته بعد التجربة التي شهدها في الضفة الغربية.

من كتاب : اسرائيل من الداخل - ضياء الحاجري ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، مهرجان القراءة للجميع 2002 ، صفحة 94

السبت، ١ سبتمبر ٢٠٠٧

الماسادا


على الرغم من أن الرومان اكتفوا بأخذ الضرائب تاركين اليهود في سلام إلا أن اليهود نفسهم لم يتركوا بعضهم البعض في سلام ، فاستمرت بينهم الحروب و المذابح و التنافس على الحكم و النفوذ و متاع الدنيا ، و خلال الفترة التالية قُتل ما يزيد على مائة ألف يهودي أو عشرة في المائة من تعداد سكان المنطقة من اليهود.

ثم وقعت الطامة الكبرى عندما احتلت طائفة من اليهود المتطرفين قلعة " الماسادا " و قتلوا الحامية الرومانية ، و ألغوا القرابين التي كانت تُقدم في المعبد للإمبراطور الروماني ، و كان هذا بالنسبة لروما لا يحمل سوى معنى واحداً : التمرد. و قد حاول كبار اليهود إقناع المتمردين بالعدول عن العصيان ، ناصحين إياهم بأنهم لا يستطيعون محاربة روما دون جدوى ، و لم يكن هناك مفر من قدوم القوات الرومانية التي دخلت في حرب طاحنة مع المتمردين استمرت أربعة أعوام قبل أن يسقط المعبد ، ثم استمرت ثلاثة أعوام قتل خلالها عدة آلاف من اليهود على أيدي الرومان ، و لكن العجيب أن آلافاً آخرى سقطت على يد اليهود أنفسهم ، و تقدم الرومان ليحاصروا أورشليم أو يمنعوا عنها الطعام ، و تفشت المجاعة ، و تحول اليهود إلى وحوش تتخاطف الغذاء ، و اضطروا إلى تناول الأحذية و الأعشاب ، و في النهاية تحولوا إلى صغارهم يلتهمونهم في وحشية ضارية ، و تضور مئات الآلاف جوعاً.
و لم يبق سوى تحرير قلعة الماسادا من اليهود ، و بعد حصار طويل قاس بنى الجيش الروماني أبراجاً عالية و جاء بالمنجنيق في محاولة لإختراق القلعة ، و عندما أدرك إليعازر زعيم اليهود بالقلعة أن النهاية باتت وشيكة ، و أن الرومان باتوا على الأبواب حث جميع اليهود على قتل أنفسهم ، و قد قام الرجال بقتل النساء و الأطفال ثم أخذوا يقتلون بعضهم البعض ، أما الرجل الآخير الذي ظل على قيد الحياة فقد قتل نفسه بسيفه ، و لهذا يكون حادث الماسادا أول إنتحار جماعي في تاريخ اليهود ، و يشكل هذا الحادث آثراً بالغاً في الوعي اليهودي حتى عصرنا الحديث.
وقد أعدت اسرائيل حالياً قلعة الماسادا لتكون مزاراً سياحياً تقود إليه الأفواج السياحية ليطلعوا على الآثر الذي يحظى بإهتمام بالغ لدى الاسرائيليين كما يقاد إليه الجنود ليقسموا هناك ألا تتكرر الماسادا مرة آخرى في تاريخ اسرائيل.
و لكن الماسادا نفسها تخالف التعاليم اليهودية التي تحض على الحياة و تنهي عن الانتحار ، و لو أن كل اليهود امتثلوا لأوامر اليعازر قائد القلعة و انتحروا لما كان لليهودية ذكر اليوم.
و مع ذلك لم يتعظ اليهود مع سقوط المعبد الثاني في عام 70 قبل الميلاد ، و عادوا ليتمردوا مرة آخرى عام 133 ميلادية ضد الرومان ، و كان الرد عنيفاً أيضاً هذه المرة و قُتل آلاف اليهود و تم تدمير يهودا بالكامل و حظر الرومان الديانة اليهودية ، و قد هاجر معظم من بقى منهم على قيد الحياة إلى بابل.


من كتاب : اسرائيل من الداخل - ضياء الحاجري ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، مهرجان القراءة للجميع 2002 ، صفحة 43