الأربعاء، ١٢ سبتمبر ٢٠٠٧

من أجل الحرية


و أن يُقال في هذا السياق على سبيل المثال ، أن الشعب الجزائري قد استخدم - في الصراع الذي خاضه ضد فرنسا لمدة ثماني سنوات من أجل التحرير - الحرب كامتداد للمصالح السياسية لهو قول ينطوي في الواقع على مغالطة كبيرة ، فذلك يشكل خلطاً بين السياسة و الهوية المستقلة للأمة ، بل و وجودها ذاته. إن حجم الأداة أو الوسيلة في مثل هذه الحالة يتضخم حتى يتساوى مع الغاية التي تخدمها ، و بالتالي تفقد معناها و الصحيح الذي ينبغي أن يقال هو أن الدولة الفرنسية - و قد ضمنت أن البحر المتوسط يكفل لها الأمان - هي التي قاتلت فيما بين 1954 و 1962 من أجل أغراض سياسية قد تتمثل في استمرار فرض الهيمنة ، أو حماية المستعمرات الأوروبية أو الوصول إلى بترول منطقة الصحراء ، أو الحفاظ على مكانتها كدولة عظمى ( وكانت مثل تلك المكانة ما زالت مرتبطة بشكل وثيق بامتلاك المستعمرات ) أما الشعب الجزائري " فلم يكن " يحارب من أجل مصالحه ، بل لم تكن له حتى حكومة قادرة على مجرد تحديد تلك المصالح. و لو كانت هناك مصالح ، بمعنى ما يعود بالنفع على الجزائريين كأفراد ، هي مربط الفرس لآثر معظمهم و عمل خيراً أن يمكث في داره ليرعى شئونه الخاصة ، و لو كانت جبهة التحرير قد حفزت الشعب على القتال من أجل نوع من " السياسة " لما حصلت حتى على نسبة من المساندة التي حظيت بها رغم كل ما كانت تفعله فرنسا و ما كان يمكن أن تفعله.

ولسنا هنا بصدد الحديث عن علم دلالات الألفاظ ، و لكننا نقول أن استخدام اللغة الاستراتيجية و التفكير في " أهداف سياسية " ، كما لو كانت شيئاً ينطبق على الفرنسيين و الجزائريين على حد سواء ، هو بمثابة خلط للأمور بلا مبرر ، بل يطمس المعاني الحقيقية للنصر و الهزيمة.
ومن منطلق أن الحكومة الفرنسية كانت تقاتل من أجل ما كانت تعتبره مصالحها السياسية ، فقد كانت الحرب بالنسبة لها مسألة حسابية قدرت فيها النفقات و الأرباح ، بغض النظر عن مدى دقتها و مدى صوابها ، ثم " عينت " القوات التي ستشترك فيها ثم " استخدمتها " لقمع " التمرد ".
و تقدر الخسائر الفرنسية في الواقع بـ 22 ألف قتيل من العسكريين و حوالي ثلاثة آلاف من المدنيين ، و هو رقم لا يقارن حتى بعدد من لقوا مصرعهم في حوادث المرور العادية على مدى فترة الحرب ! و على أي الأحوال فقد انتهى الأمر بالفرنسيين إلى الإعتراف بخطئهم و ادركوا أن ثمن الاحتفاظ بالمستعمرة يفوق أي مكسب متوقع. و يتضح من ذلك أن المنطق الذي شنت به الحرب كان هو نفسه السبب في الاستسلام : بمعنى آخر ، فلقد خسرت فرنسا لأنها على وجه التحديد خاضت الحرب بوصفها امتداداً للسياسة و لكن بوسائل آخرى.

أما على الجبهة الجزائرية فقد كان الوضع مختلفاً تمام الاختلاف ، و كلما طال آمد النزاع بدا ذلك أوضح. فلم يدخل الشعب المنضوي تحت لواء جبهة التحرير الجزائري في أي حسابات تكاليف أو أرباح ، و لو كان قد فعل ذلك لما كان بدأ القتال من أساسه. و كان القتال من أجل البقاء مثلما فعل الشعب سيكلفه عدداً لا حصر له من العقوبات ، و قد بلغت الخسائر البشرية الجزائرية ، بعد انتهاء الحرب عدداً يتراوح بين 300 ألف و مليون قتيل ، من مجموع لا يتجاوز ثلث تعداد فرنسا. و الأهم من ذلك ان حساب النفقات و الأرباح انطبق معهم بطريقة عكسية : فكلما زاد حجم المعاناة و الدمار قل حجم ما يخشى الجزائريون أن يخسروه ، و بالتالي ازدادوا اصراراً على ألا يذهب ذلك النضال سدى. و بما أن الفرنسيين كانوا أسرى الفكر الاستراتيجي التقليدي ، شأنهم في ذلك شأن أمم " منطقية " كثيرة سبقتهم و تلتهم ، فقد استغرق الأمر وقتاً طويلاً لفهم هذه الحقائق. و عندما استوعبوا ما يجري و أدركوا أن كل فرد ، رجلاً كان أو امرآة ، يُقتل على الجانب الجزائري انما يشكل سبباً جديداً لمواصلة لقتال ، انتهي بهم الأمر إلى الاستسلام.

من كتاب : حرب المستقبل - مارتن فان كريفلد ، ترجمة : د. السيد عطا - مهرجان القراءة للجميع ، مكتبة الأسرة 1999 ، صفحة 174

ليست هناك تعليقات: