على الرغم من أن الرومان اكتفوا بأخذ الضرائب تاركين اليهود في سلام إلا أن اليهود نفسهم لم يتركوا بعضهم البعض في سلام ، فاستمرت بينهم الحروب و المذابح و التنافس على الحكم و النفوذ و متاع الدنيا ، و خلال الفترة التالية قُتل ما يزيد على مائة ألف يهودي أو عشرة في المائة من تعداد سكان المنطقة من اليهود.
ثم وقعت الطامة الكبرى عندما احتلت طائفة من اليهود المتطرفين قلعة " الماسادا " و قتلوا الحامية الرومانية ، و ألغوا القرابين التي كانت تُقدم في المعبد للإمبراطور الروماني ، و كان هذا بالنسبة لروما لا يحمل سوى معنى واحداً : التمرد. و قد حاول كبار اليهود إقناع المتمردين بالعدول عن العصيان ، ناصحين إياهم بأنهم لا يستطيعون محاربة روما دون جدوى ، و لم يكن هناك مفر من قدوم القوات الرومانية التي دخلت في حرب طاحنة مع المتمردين استمرت أربعة أعوام قبل أن يسقط المعبد ، ثم استمرت ثلاثة أعوام قتل خلالها عدة آلاف من اليهود على أيدي الرومان ، و لكن العجيب أن آلافاً آخرى سقطت على يد اليهود أنفسهم ، و تقدم الرومان ليحاصروا أورشليم أو يمنعوا عنها الطعام ، و تفشت المجاعة ، و تحول اليهود إلى وحوش تتخاطف الغذاء ، و اضطروا إلى تناول الأحذية و الأعشاب ، و في النهاية تحولوا إلى صغارهم يلتهمونهم في وحشية ضارية ، و تضور مئات الآلاف جوعاً.
و لم يبق سوى تحرير قلعة الماسادا من اليهود ، و بعد حصار طويل قاس بنى الجيش الروماني أبراجاً عالية و جاء بالمنجنيق في محاولة لإختراق القلعة ، و عندما أدرك إليعازر زعيم اليهود بالقلعة أن النهاية باتت وشيكة ، و أن الرومان باتوا على الأبواب حث جميع اليهود على قتل أنفسهم ، و قد قام الرجال بقتل النساء و الأطفال ثم أخذوا يقتلون بعضهم البعض ، أما الرجل الآخير الذي ظل على قيد الحياة فقد قتل نفسه بسيفه ، و لهذا يكون حادث الماسادا أول إنتحار جماعي في تاريخ اليهود ، و يشكل هذا الحادث آثراً بالغاً في الوعي اليهودي حتى عصرنا الحديث.
وقد أعدت اسرائيل حالياً قلعة الماسادا لتكون مزاراً سياحياً تقود إليه الأفواج السياحية ليطلعوا على الآثر الذي يحظى بإهتمام بالغ لدى الاسرائيليين كما يقاد إليه الجنود ليقسموا هناك ألا تتكرر الماسادا مرة آخرى في تاريخ اسرائيل.
و لكن الماسادا نفسها تخالف التعاليم اليهودية التي تحض على الحياة و تنهي عن الانتحار ، و لو أن كل اليهود امتثلوا لأوامر اليعازر قائد القلعة و انتحروا لما كان لليهودية ذكر اليوم.
و مع ذلك لم يتعظ اليهود مع سقوط المعبد الثاني في عام 70 قبل الميلاد ، و عادوا ليتمردوا مرة آخرى عام 133 ميلادية ضد الرومان ، و كان الرد عنيفاً أيضاً هذه المرة و قُتل آلاف اليهود و تم تدمير يهودا بالكامل و حظر الرومان الديانة اليهودية ، و قد هاجر معظم من بقى منهم على قيد الحياة إلى بابل.
من كتاب : اسرائيل من الداخل - ضياء الحاجري ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، مهرجان القراءة للجميع 2002 ، صفحة 43
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق