الخميس، ١٦ أغسطس ٢٠٠٧

تعليم البنت في مصر


رغم افتتاح مدرسة للمولدات و الحكيمات في مصر سنة 1832 ، و رغم افتتاح الانجليز لمدرسة بتعليم البنات سنة 1835 م و كان أكثر بناتها من بنات الأقباط ( المسيحيات ) و قليل منهن من المسلمات ، و خرجت عددا منهن قادرات علي القراءة و الكتابة و كسب العيش بالتطريز و أشغال الأبرة ، و رغم أن محمد علي كان يسمح لبعض المعلمات الأوروبيات بتعليم فتيات الأسرة الحاكمة و حريمها ، و رغم أن وجهاء القوم من الطبقة الأرستقراطية نهجوا نفس نهجه ، فإن عصر اسماعيل ينتهي سنة 1879 م و ليس بمصر سوي مدرستين للبنات ، السيوفية انشئت في يناير سنة 1873 م و القريبية في أبريل من نفس السنة ، السيوفية افتتحت بجهود ثالثة زوجات اسماعيل ، و اعتمدت في البداية علي الفتيات الجواري من بيتها و بيوت أميرات و أمراء الأسرة الحاكمة.

و ساعدت جودة المعيشة داخل المدرسة نظراً لما تقدمه من غذاء و ملبس علي تزاحم الناس لادخال بناتهم اليها فامتلأت بالداخليات المحلات المُعدة لهن و عددها مائتان ، و اضطرت ادارة المدرسة امام هذا الاقبال أن تنشئ مائة محل أخري ، و لكن خارجية ، لمن لم يمكن قبلولهن في مصاف الداخليات.

و كانت المدرسة الجديدة تحت نظارة سيدة سورية و كانت برامجها التعليمية تدور حول القرآن الكريم ، و اللغة التركية ، و الرسم. و كان بها ثماني مدرسات : أربع لأشغال الأبر و التطريز و واحدة للبيانو و واحدة للغسيل و الصبغ و الكي ، و اثنتان للأشراف.

و بناء علي نجاح الاقبال علي السيوفية تم انشاء مدرسة أخري للبنات علي غرارها باسم مدرسة القريبية. و لكن بعد عزل الخديو اسماعيل تم دمج المدرستين في واحدة ، فساء حالها مما دعا دور بك إلي رفع تقرير عن المدرسة حث فيه علي ايجاد ادارة حازمة ، و حذف بعض المواد الدراسية التي لا تتناسب مع طبيعة تعليم البنت في البيئة المصرية. كما اقترح قومسيون المعارف انشاء مدرسة للبنات في مدينة اخري غير القاهرة ، لكن لم ينفذ الاقتراح.

أي أن أكثر من أربعين سنة ( منذ افتتاح مدرسة المولدات سنة 1832 حتي افتتاح مدرسة السيوفية سنة 1873 ) في مجتمع يأخذ بأسباب النهضة و التقدم لم تسفر الا عن مدرسة واحدة للبنات سيئة الحال ، غير أن هذا كان علي مستوي الفعل الرسمي للحكومة ، أما علي المستوي الفكري و الثقافي فقد شغلت قضية تعليم البنت أذهان معظم المفكرين و التربويين في تلك الفترة و منهم الطهطاوي صاحب كتاب المرشد الأمين في تعليم البنات و البنين الدعوة الأولي لتعليم البنت في مصر. و قبل عرض آراء الطهطاوي في تعليم البنت نورد الملاحظات التالية :

- أن الدعوة لتعليم البنت كجزء من الدعوة إلي تحريرها ، تمت في مجتمع أمي بالجملة ذكوراً و إناثاَ.

- أن الدعوة تمت في مجتمع ذكوري أبوي مستبد علي المستويين السياسي و الاجتماعي ، ففي السياسة حكم مطلق فردي مستبد ، و في البيت يمثل الرجل صورة مصغرة من الحاكم ، و من هنا احتلت المرأة المكانة الثانية بعد الرجل ، و بالتالي فرضت عليها التبعية و وضعت خارج نطاق الحياة رغم مالها من مكانة حيوية.

- بناء علي ما سبق ، كانت الدعوة لتعليم البنت في مجتمع يقرن بقوة و عسف و إصرار بين التعليم و الفجور ، بين السفور و الخلاعة ، أي يتناول القضايا المتصلة بموضوع المرأة وفق معيار أخلاقي متعنت.

- أن الدعوة و علي ما يبدو كانت موجهة لطبقة اجتماعية معينة ، و هي الطبقة الميسورة المحافظة و التي تنفر من سفور المرأة و تعليمها و اختلاطها و عملها ، أي مشاركتها الحياة العامة بوجة عام. أما بالنسبة لنساء الطبقات الفقيرة من العمال أو الفلاحين فقد كن يرحن و يجئن طليقات من غير قيد ، و كثيراً ما يتفق أن يكلفهن أزواجهن من المهام خارج البيت.

مما سبق يتضح أن موقف المجتمع المصري من قضايا المرأة كان يعكس فكر القرون الوسطي. و من هنا يمكن اعتبار فكرة الطهطاوي الخاصة بقضايا المرأة أول اطلالة مصرية للمرأة تعبر عن فكر العصور الحديثة ، مع ملاحظة أن هذه الاطلالة تعبر في الاساس عن عقلية ازهرية دينية في المقام الأول مما ينفي عن الإسلام شبهة وأد حقوق المرأة.

و يبدأ الطهطاوي مناقشته لقضية تعليم المرأة بالحكم علي من لا يوفيها حقوقها بالطبيعة " المتبربرة " و يرد علي من يعارض منح المرأة حقوقها بحجة ضعفها ، بأن ذلك ليس من طبيعة جنسها ، بل هو ثمرة أوضاع بيئية و اجتماعية و تربوية ، بدليل أنه عندما " انتظم نساء اليونان في سلك التربية ، اكتسبن من التعليم فضائل الرجال و صحت الأبدان ، فبهذا كان لهن السلطة العليا علي قلوب الرجال بحسن التربية و التعليم ، فكان يجب عليهن معاناة الرياضات الشاقة و استمرار اللعب كالمصارعة ، فذلك حدث في تلك البلاد ، مدة طويلة ، من العجائب و الغرائب ما يساوي شجاعة الرجال ".
و يدلل الطهطاوي علي حق المرأة في التعليم في حياة الرسول ( صلي الله عليه و سلم ) حيث كان في أزواجه ( صلي الله عليه و سلم ) من تكتب و تقرأ كحفصة بنت عمر و عائشة بنت أبي بكر و غيرهما ، و أنه لم يعهد في النساء ابتذالاً بسبب تعليمهن و معارفهن ، فتعليمهن تنوير للعقول بمصباح المعارف المرشد لهن ، فلاشك أن حصول النساء علي ملكة القراءة و الكتابة ، و علي التخلق بالأخلاق الحميدة ، و الأطلاع علي المعارف ، هو أجمل صفات الكمال الإنساني ، و هو أشوق للرجال المتحضرين من الجمال ، فالأدب للمرأة يغني عن الجمال ، لكن الجمال لا يغني عن الأدب ، لأنه عرض زائل. و أيضاً أدب المرأة و معارفها تؤثر تأثيراً كبيراً في أخلاق أولادها ، إذ البنت الصغيرة متي رأت أمها مقبلة علي مطالعة الكتب و ضبط أمور البيت و الاشتغال بتربية أولادها جذبتها الغيرة إلي أن تكون مثل أمها ، بخلاف ما اذا رأت أمها مقبلة علي مجرد الزينة و التبرج .. و قد قضت التجربة في كثير من البلاد أن نفع تعليم المرأة أكثر من ضرره ، بل أنه لا ضرر أصلاً ، فليتمسك كل من الفريقين ، الذكور و الإناث ، بفضل التعليم و التعلم و ليتشبثوا جميعاَ بأذيال المدارس و المطالعة ليقتطفوا من ثمار العلم و منافعه.

فالتعليم هنا يزيد الإنسان - ذكراَ أو أنثي - أدباَ و عقلاَ و يجعله بالمعارف أهلاً .. و يحسن فيه الأدب و يساهم في تكوين الأسرة المتماسكة لما يحققه فيها من حسن المعاشرة.

فتعليم المرأة يكون علي قدم المساواة مع الرجل رغم أن المرأة تتميز بتدبير المعايش الأولية ، و للقيام بالأشغال الضرورية و المتاعب المعاشية و مباشرة فراش المرض. و تخفيف الآلآم و الأسقام.

كما يحق للمرأة أن تعمل عند اقتضاء الحال ، فتتعاطي المرأة من الأعمال و الأشغال ما يتعاطه الرجل علي قدر طاقتها.

من كتاب : التعليم و التغيير الاجتماعي في مصر في القرن التاسع عشر - سامي سليمان محمد السهم ، الهيئة المصرية العامة للكتاب 2000 ، صفحة 256

ليست هناك تعليقات: