الأحد، ١٩ أغسطس ٢٠٠٧

مسيحيو المشرق


و في حالة الفوضي تُشارك فيها الأقلام و الحجارة و السيوف ، و تفتي فيها صفحات الجرائد و شاشات التلفزيون و أجهزة الراديو ، و منابر المساجد و أجراس أبراج الكنائس - فإن الأمور في النهاية تحتاج إلي صَوتِ يقول : مَهْلاً !

ثم يكون علي الجميع أن يخفضوا أصواتهم و لو مؤقتاً و يتذكروا أن سُلطة الدولة العليا هي المُكَلفة بالمسئولية قبل غيرها ، و هي القادرة علي أن تلحق ، و الأفضل أن تسبق.


بقي إنه ما دام الحديث كله حديث ضمير فإن هناك ملاحظة لابد لها أن تقال و هي ملاحظة تعبر ضفاف النهر الواحد ، و تتخطي صحاري الوطن المصري ، واصلة بقلق حقيقي إلي المشرق العربي - و هي ملاحظة تتعلق بمسيحيي المشرق ( في فلسطين ، و لبنان ، و سوريا ، و العراق ، و حتي تركيا ).

هناك ظاهرة هجرة بينهم يصعب تحويل الأنظار عنها ، أو إغفال أمرها ، أو تجاهل أسبابها ، حتي و إن كانت الأسباب نفسية تتصل بالمناخ السائد في المنطقة أكثر مما تتصل بالحقائق الواقعة فيه !

و أشعر - ولابد أن غيري يشعرون بذلك - أن المشهد العربي كله سوف يختلف إنسانياً و حضارياً - و سوف يصبح علي وجه التأكيد أكثر فقراً و أقل ثراءً لو أن ما يجري الأن من هجرة مسيحيي المشرق تُرِكَ أمره للتجاهل أو التغافل - أو للمخاوف حتي و إن لم يكن لها أساس.

و ظني أن جموع المسلمين في الأمة مطالبة أكثر من أي وقتِ مضى بأت تعرف و تُدرك بيقين أهمية مواريثها ، و حيوية تَنَوُع ثقافتها ، و خصوصية التركيبة الخلاقة و المبدعة في تشكيل حياتها.

أي خسارة لو أحَس مسيحيو المشرق - بحق أو بغير حق - أنه لا مستقبل لهم أو لأولادهم فيه ، ثم بقي الإسلام وحيداً في المشرق لا يؤنس وحدته غير وجود اليهودية الصهيونية - بالتحديد - أمامه في إسرائيل ؟!

من كتاب :
عام من الأزمات 2000-2001 - محمد حسنين هيكل ، المصرية للنشر العربي و الدولي ، الطبعة الخامسة ، صفحة 52

ليست هناك تعليقات: