السبت، ١١ أغسطس ٢٠٠٧

لا نحب من يصدمنا


نحن لا نحب الحقيقة. و إنما نحن نضطر إلي حبها. فالحقيقة التي تصدمك هي التي تصدك بعيداً عنها. وهي التي تفضحك أمام نفسك و أمام الناس. و لذلك فأحب الدعوات إلي الناس : الستر .. أي أن يظل مغطي بالملابس الثقيلة ، أو بالجدران الغليظة ، فلا يراه أحد علي حقيقته ..
فلو قلت لك مثلاً : إنه لا يوجد حب في هذه الدنيا. و حياتك كلها مصالح. عندك مصلحة فأنا أحبك و أموت فيك. انتهت المصلحة فلا أحب أن أري وجهك و لا أسمع صوتك .. إذا رأيتك فكأنني لا أراك .. لأنني إذا أبديت اهتماماً غير عادي بك ، كأن معني ذلك أنني أحمل لك إمتناناً خاصاً .. و أنا لا أحب أن أكون ممتناً لأحد .. و لذلك لا أحب أن أراك و إذا رأيتك فلا أحب أن أتذكر أنك خدمتني .. فأسهل حل هو ألا أراك .. أو كأنني لا أراك !
و الحكمة تقول : إتق شر من أحسنت إليه .. و هي صحيحة !
فهل تحب أن أستمر في هذا المعني و أضرب لك أمثلة من حياتي و حياتك .. أو أطلب إليك أن تتذكر ما الذي حدث لك مع أولادك و زوجتك و أصدقائك و زملائك.
أنت تعرف مثلي تماماً. و لكن لا نحب أن يصدمك أحد في زوجتك و أخواتك و أولادك ، لأن هذه الصدمة ستؤدي إلي إختفاء وهم جميل أنت تعيش فيه .. و أنت تفضل الأكذوبة الجميلة علي الحقيقة الجافة.
فلو قلت لك بلغة الكرة : إن كل الذين حولك يتربصون بك .. ينتظرون يوم تقع من فوق مقعدك أو من فوق سريرك .. فالجميع بلغة الكرة " يسخنون " أنفسهم لكي ينقضوا عليك. و هي حقيقة و لكنك لا تحب ذلك. فوراءك طابور طويل ينتظر اليوم الذي تختفي فيه .. هل أكمل كلامي أم أنك لم تعد قادراً علي أن تقرأ ما هو أكثر؟ سوف أكمل كلامي .. أن الذي تسمعه يقال عن رؤسائك و عن الأباء و الأغنياء و نصف الأغنياء الآخرين ، هو بالضبط الذي يقال وراءك و لكنك لا تسمع ولا تري .. فالإنسان هو هو .. سواء كان ابناً أو أخاً أو زوجة أو أماً .. هو هو .. إنها صدمة لك .. هذا صحيح.
و لكن هذا هو حال الدنيا : الناس لهم أنياب و أظافر و أعماقهم في لون شوارع زمان عندما كان الزفت يغطيها ناعماً لامعاً - إنها الحقيقة ناصعة السواد !

من كتاب : وأخرتها ؟! - أنيس منصور ، نهضة مصر إصدار 2006 صفحة 121

ليست هناك تعليقات: